ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما
قوله تعالى:
ومن يقتل مؤمنا متعمدا سبب نزولها:
أن مقيس بن صبابة وجد أخاه هشام بن صبابة قتيلا في بني النجار ، وكان مسلما ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فأرسل رسول الله رسولا من بني فهر ، فقال له: إيت بني النجار ، فأقرئهم مني السلام ، وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام ، فادفعوه إلى مقيس بن صبابة ، وإن لم تعلموا له قاتلا ، فادفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهري ذلك ، فقالوا: والله ما نعلم له قاتلا ، ولكنا نعطي ديته ، فأعطوه مائة من الإبل ، ثم انصرفا راجعين إلى المدينة ، فأتى الشيطان مقيس بن صبابة ، فقال: تقبل دية أخيك ، فيكون عليك سبة ما بقيت . اقتل الذي معك مكان أخيك ، وافضل بالدية ، فرمى الفهري بصخرة ، فشدخ رأسه ، ثم ركب بعيرا منها ، وساق بقيتها راجعا إلى مكة ، وهو يقول:
قتلت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع
وأدركت ثأري واضطجعت موسدا
وكنت إلى الأصنام أول راجع
[ ص: 167 ] فنزلت هذه الآية ، ثم أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح ، فقتل ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وفي قوله (متعمدا) قولان . أحدهما: متعمدا لأجل أنه مؤمن ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير . والثاني: متعمدا لقتله ، ذكره بعض المفسرين . وفي قوله (فجزاؤه جهنم) قولان . أحدهما: أنها جزاؤه قطعا . والثاني: أنها جزاؤه إن جازاه . واختلف العلماء
هل للمؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا توبة أم لا؟ فذهب الأكثرون إلى أن له توبة ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إلى أنه لا توبة له .
[ ص: 168 ] فصل
اختلف العلماء في هذه الآية هل هي محكمة أم منسوخة؟ فقال قوم: هي محكمة ، واحتجوا بأنها خبر ، والأخبار لا تحتمل النسخ ، ثم افترق هؤلاء فرقتين ، إحداهما قالت: هي على ظاهرها ،
وقاتل المؤمن مخلد في النار . والفرقة الثانية قالت: هي عامة قد دخلها التخصيص بدليل أنه لو قتله كافر ثم أسلم الكافر ، انهدرت عنه العقوبة في الدنيا والآخرة ، فإذا ثبت كونها من العام المخصص ، فأي: دليل صلح للتخصيص ، وجب العمل به . ومن أسباب التخصيص أن يكون قتله مستحلا ، فيستحق الخلود لاستحلاله . وقال قوم: هي مخصوصة في حق من لم يتب ، واستدلوا بقوله تعالى: في الفرقان:
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما [الفرقان: 70] وقال آخرون: هي منسوخة بقوله:
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48] .