[ ص: 205 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[100 ]
أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون الهمزة للإنكار ، والواو للعطف على محذوف يقتضيه المقام ، أي كفروا بالآيات بالبينات ، "وكلما عاهدوا" إلخ . أو أينكرون فسقهم وكلما إلخ ، وقيل : الواو زائدة ، وقيل هي "أو" التي لأحد الشيئين . حركت بالفتح . وقد قرئ شاذا بسكونها . فتكون بمعنى بل . دلت عليه القرينة . أعني قوله :
بل أكثرهم لا يؤمنون ترقيا إلى الأغلظ فالأغلظ . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني "أو" هذه هي التي بمعنى "أم" المنقطعة ، وكلتاهما بمعنى "بل" موجودة في الكلام كثيرا . أنشد
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء لذي الرمة :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح
وكذا قال في قوله تعالى :
وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون وعلى الوجه الأول ، فالمقصود من هذا الاستفهام الإنكار ، وإعظام ما يقدمون عليه ، لأن مثل ذلك ، إذا قيل بهذا اللفظ كان أبلغ في التنكير والتبكيت .
ودل بقوله "أوكلما عاهدوا" على عهد بعد عهد نقضوه ونبذوه . بل يدل على أن ذلك كالعادة فيهم . فكأنه تعالى أراد تسلية الرسول عند كفرهم بما أنزل عليه من الآيات ، بأن ذلك ليس ببدع منهم بل هو سجيتهم وعادتهم وعادة سلفهم . على ما بينه في الآيات المتقدمة من نقضهم العهود والمواثيق حالا بعد حال . لأن من يعتاد منه هذه الطريقة لا يصعب على النفس مخالفته ، كصعوبة من لم تجر عادته بذلك .
قال
العلامة : واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود ، وكم أخذ الله الميثاق منهم، ومن آبائهم فنقضوا ، وكم عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفوا :
الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة والنبذ الرمي بالذمام ، ورفضه . وإسناده إلى فريق منهم ، لأن منهم من لم ينبذه . وفي قوله "بل أكثرهم لا يؤمنون" دفع لما يتوهم من أن النابذين هم الأقلون . قوله تعالى :