القول في تأويل قوله تعالى :
[ 15 ]
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار .
أي : الظهور بالانهزام ، و ( الزحف ) الجيش الكثير ، تسمية بالمصدر ، و الجمع زحوف ، مثل فلس وفلوس .
ويقال : زحف إليه ، أي : مشى ، وزحف الصبي على استه قبل أن يقوم . شبه بزحف الصبيان مشي الجيش الكثير للقتال ، لأنه لكثرته يرى كأنه يزحف ، أي : يدب دبيبا قبل التداني للضراب أو الطعان .
قال
أبو السعود : زحفا منصوب ، إما على أنه حال من مفعول :
لقيتم أي : زاحفين نحوكم ، أو على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر ، هو الحال منه ، أي : يزحفون زحفا .
وأما كونه حالا من فاعله أو منه ، ومن مفعوله معا كما قيل فيأباه قوله تعالى :
فلا تولوهم الأدبار إذ لا معنى لتقييد النهي عن الإدبار بتوجههم السابق إلى العدو أو بكثرتهم ، بل توجه العدو إليهم وكثرتهم هو الداعي إلى الإدبار عادة ، والمحوج إلى النهي عنه .
[ ص: 2963 ] وحمله على الإشعار بما سيكون منهم يوم
حنين ، حيث تولوا مدبرين ، وهم زحف من الزحوف اثنا عشر ألفا - بعيد .
والمعنى : إذا لقيتموهم للقتال ، وهم كثير جم وأنتم قليل ، فلا تولوهم أدباركم ، فضلا عن الفرار ، بل قابلوهم وقاتلوهم ، فضلا عن أن تدانوهم في العدد أو تساووهم .
قال
الشهاب : عدل عن لفظ الظهور إلى الأدبار تقبيحا للانهزام ، وتنفيرا عنه .