صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 27 ] يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون .

يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون لما ذكرهم تعالى بإسباغ نعمه عليهم ليشكروه ، وكان من شكره الوقوف عند حدوده ، بين لهم ما يحذر منها ، وهو الخيانة .

ويدخل في خيانة الله تعطيل فرائضه ، ومجاوزة حدوده ، وفي خيانة رسوله رفض سنته ، وإفشاء سره للمشركين . وفي خيانة أمانتهم الغلول في المغانم ، أي : السرقة منها ، وخيانة كل ما يؤتمن عليه الناس من مال أو أهل أو سر ، وكل ما تعبدوا به .

[ ص: 2979 ] وقد روي في نزول الآية شيء مما ذكرنا . ولفظ الآية مطلق يتناوله وغيره .

ومن ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن عبد الله بن أبي قتادة قال : نزلت في أبي لبابة حين حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة وأمرهم أن ينزلوا على حكم سعد ، فاستشار قريظة من أبي لبابة في النزول على حكم سعد ، وكان أهل أبي لبابة وأمواله فيهم ، فأشار إلى حلقه - أنه الذبح - قال أبو لبابة : ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله ، ثم حلف ألا يذوق ذواقا حتى يموت ، أو يتوب الله عليه .

وانطلق إلى المسجد ، فربط نفسه بسارية ، فمكث أياما ، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد ، ثم أنزل الله توبته ، وحلف لا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فحله ، فقال : يا رسول الله إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة ، فقال : « يجزيك الثلث أن تصدق به » .

قال بعض المفسرين : دل هذا السبب على جواز إظهار الجزع على المعصية ، وإتعاب النفس وتوبيخها ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي لبابة .

ودل على أنه يستحب إتباع المعصية بالصدقة ، ولأنه عليه السلام قال : يجزيك ثلث مالك ، وهذا سبيل قوله في هود إن الحسنات يذهبن السيئات

وفي قوله : وأنتم تعلمون دليل على أن ذنب العالم بالخطيئة أعظم منه من غيره ، لأن المعنى : وأنتم تعلمون تبعة ذلك ووباله .

قال الرازي : ثم إنه لما كان الداعي إلى الإقدام على الخيانة هو حب الأموال والأولاد ، نبه تعالى على أنه يجب على العاقل أن يحترز عن المضارة المتولدة من ذلك الحب فقال :

التالي السابق


الخدمات العلمية