القول في تأويل قوله تعالى :
[ 68 ]
لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم .
لولا كتاب من الله سبق لمسكم أي : لأصابكم
فيما أخذتم أي : بسببه ، وهو الفداء :
عذاب عظيم أي : شديد ، بقدر إبطالكم الحكمة العظيمة ، وهي قتلهم ، الذي هو أعز للإسلام ، وأهيب لمن وراءهم وأفل لشوكتهم . والمراد ب ( الكتاب ) الحكم ، وإنما أطلق عليه لأنه مكتوب في اللوح .
ولأئمة التفسير أقوال في تفسيره ، فقيل : هو أنه لا يعذب قوما إلا بعد تقديم النهي ، ولم يتقدم نهي عن ذلك ، وقيل : هو أنه لا يعذب المخطئ في اجتهاده ، وقيل : هو كون أهل
بدر مغفورا لهم . وقيل : هو حل المغانم .
وللرازي مناقشة في هذه الأقوال ، واختار أن ( الكتاب ) هو حكمه في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة ، لأنه كتب على نفسه الرحمة ، وسبقت رحمته غضبه .
[ ص: 3039 ] أقول : لعل الأمس في تهويل ما اكتسبوه ، تفسير ( الكتاب ) بما في قوله تعالى :
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون والله أعلم ـ .
تنبيهات :
الأول _ قال
الرازي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هذا الحاكم إنما كان يوم
بدر ، لأن المسلمين كانوا قليلين ، فلما كثروا وقوي سلطانهم ، أنزل الله بعد ذلك في الأسارى :
حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها
وأقول : هذا الكلام يوهم أن قوله :
فإما منا بعد وإما فداء يريد حكم الآية التي نحن في تفسيرها ، وليس الأمر كذلك ، لأن الآيتين متوافقتان ، فإن كلتيهما تدل على أنه لا بد من تقديم الإثخان ، ثم بعده أخذ الفداء . انتهى .
وقال بعضهم : لا تظهر دعوى النسخ من أصلها ، إذ النهي الضمني كما هنا مقيد ومغيا بالإثخان ، أي : كثرة القتال اللازمة لها قوة الإسلام وعزته ، وما في سورة القتال من التخيير ، محله بعد ظهور شوكة الإسلام بكثرة القتال ، فلا تعارض بين الآيتين ، إذ ما هناك بيان للغاية التي هنا . نقله في ( " الفتح " ) .
الثاني : قال
القاضي : في الآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون ، وأنه قد يكون خطأ ، ولكن لا يقرون عليه .
الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : وقد استمر الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء ، أن الإمام مخير فيهم ، إن شاء قتل ، كما فعل
ببني قريظة ، وإن شاء فادى بمال ، كما فعل بأسرى
بدر ، بمن أسر من المسلمين ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الجارية وابنتها اللتين كانتا في سبي سلمة بن الأكوع ، حيث ردهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين .
[ ص: 3040 ] وإن شاء استرق من أسر ، هذا مذهب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وطائفة ، وفي المسألة خلاف آخر بين الأئمة ، مقرر في موضعه .
الرابع : قال بعض مفسري
الزيدية : في هذه الآية سؤال وهو أن يقال : إن كان فعلهم اجتهادا وخطأ ، فلم عوتبوا ؟ ويلزم أن لا معصية ، وإن تمكنوا من العلم وقصروا ، فكيف أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وجواب ذلك من وجهين :
الأول : عن
أبي علي أن ذلك كان معصية صغيرة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : وكانوا متمكنين من العلم ، إذا ما عاتبهم .
وقيل : كان خطأ وقصروا فعوتبوا على التقصير . انتهى .
وقوله تعالى :