[ ص: 3044 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[ 72 ]
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير .
إن الذين آمنوا وهاجروا أي : من
مكة إلى
المدينة لنصر الله ورسوله
وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أي : طاعته
والذين آووا ونصروا أي : وطنوا
المهاجرين وأنزلوهم منازلهم وبذلوا إليهم أموالهم ، وآثروهم على أنفسهم ، ونصروهم على أعدائهم
أولئك بعضهم أولياء بعض أي : يتولى بعضهم بعضا في النصرة والمظاهرة ، ويقوم مقام أهله ونفسه ، ويكون أحق به من كل أحد ، ولهذا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
المهاجرين والأنصار .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503059وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال فيما بلغنا : « تآخوا أخوين أخوين » ، ثم أخذ بيد nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب فقال : « هذا أخي » . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وعم النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=138وزيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم أخوين . وإليه أوصى
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة يوم
( أحد ) ، حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت .
nindex.php?page=showalam&ids=315وجعفر ذو الجناحين الطيار في الجنة
nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر الصديق nindex.php?page=showalam&ids=15786وخارجة بن زيد أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=5وأبو عبيدة بن الجراح nindex.php?page=showalam&ids=307وسعد بن معاذ أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف nindex.php?page=showalam&ids=3402وسعد بن الربيع أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير بن العوام وسلمة [ ص: 3045 ] بن سلامة أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت أخوين
nindex.php?page=showalam&ids=55وطلحة بن عبيد الله nindex.php?page=showalam&ids=331وكعب بن مالك أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=85وسعيد بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=104ومصعب بن عمير nindex.php?page=showalam&ids=50وأبو أيوب الأنصاري أخوين ،
وأبو حذيفة nindex.php?page=showalam&ids=4582وعباد بن بشر أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار بن ياسر nindex.php?page=showalam&ids=21وحذيفة بن اليمان أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبو ذر الغفاري والمنذر بن عمرو أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=23وسلمان الفارسي nindex.php?page=showalam&ids=4وأبو الدرداء أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=195وحاطب بن أبي بلتعة nindex.php?page=showalam&ids=174وعويم بن ساعدة أخوين ،
nindex.php?page=showalam&ids=115وبلال الحبشي وأبو رويحة الخثعمي أخوين .
ولما خرج
nindex.php?page=showalam&ids=115بلال إلى
الشام ، وأقام فيها مجاهدا ، قال له
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : إلى من نجعل ديوانك ؟ قال : مع
أبي رويحة ، لا أفارقه أبدا ، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينه وبيني . فضم إليه ، وضم ديوان
الحبشة إلى
خثعم ، لمكان
nindex.php?page=showalam&ids=115بلال منهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : فهؤلاء من سمى لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه :
تنبيه :
نقل
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره ، أن المراد من هذه الولاية ، هي الولاية في الميراث . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : لما تآخوا كانوا يتوارثون بذلك إرثا مقدما على القرابة ، حتى نسخ الله ذلك بالمواريث ، ثبت ذلك في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة وغير واحد .
قال
الخفاجي : فكان المهاجري يرثه أخوه الأنصاري ، إذا لم يكن له
بالمدينة ولي مهاجري ، ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجري . واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح
مكة ، ثم توارثوا بالنسب بعد ، إذ لم تكن هجرة .
والولي القريب والناصر ، لأن أصله القرب المكاني ، ثم جعل للمعنوي ، كالنسب والدين والنصرة .
فقد جعل صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام التناصر الديني أخوة ، وأثبت لها أحكام الأخوة الحقيقية من التوارث ، فلا وجه لما قيل إن هذا التفسير لا تساعده اللغة ، فالولاية على هذا ، والوراثة المسببة عن القرابة الحكمية . انتهى .
[ ص: 3046 ] ومراده ب ( ما قيل ) ، ما ذكره
الرازي في تضعيف تفسير الولاية بالوراثة ، حيث قال : واعلم أن لفظ الولاية غير مشعر بهذا المعنى ، لأن هذا اللفظ مشعر بالقرب على ما قررناه في مواضع من هذا الكتاب .
ويقال : السلطان ولي من لا ولي له ، ولا يفيد الإرث ، وقال تعالى :
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ولا يفيد الإرث ، بل الولاية تفيد القرب ، فيمكن حمله على غير الإرث ، وهو كون بعضهم معظما للبعض ، مهتما بشأنه ، مخصوصا بمعاونته ومناصرته ، والمقصود أن يكونوا يدا واحدة على الأعداء ، وأن يكون حب كل واحد لغيره جاريا مجرى حبه لنفسه .
وإذا كان اللفظ محتملا لهذا المعنى ، كان حمله على الإرث بعيدا عن دلالة اللفظ ، لا سيما وهم يقولون : إن ذلك الحكم صار منسوخا بقوله تعالى في آخر الآية :
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض وأي حاجة تحملنا على حمل اللفظ على معنى لا إشعار لذلك اللفظ به ، ثم الحكم بأنه صار منسوخا بآية أخرى مذكورة معه ؟ هذا في غاية البعد ، اللهم إلا إذا حصل إجماع المفسرين على أن المراد ذلك ، فحينئذ يجب المصير إليه ، إلا أن دعوى الإجماع بعيدة انتهى .
وأقول : لعموم هذا الخطاب ونظمه وجه في إثبات التوارث ، لا سيما وقد نفى تعالى ولاية من لم يهاجر نفيا استغرق أقرب الأقارب حيث قال :
والذين آمنوا ولم يهاجروا أي : بأن أقاموا في بواديهم :
ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا أي : إلى
المدينة . وقوله تعالى :
وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر أي : إذا استنصركم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال ديني ، فيجب عليكم أن تنصروهم على أعدائهم المشركين ، لأنهم إخوانكم في الدين
إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق أي : عهد ومهادنة إلى مدة ، فلا تعينوهم عليهم ، لئلا تخفروا ذمتكم ، وتنقضوا عهدكم
والله بما تعملون بصير أي : فلا تخالفوا أمره .
[ ص: 3047 ] تنبيهات :
الأول : احتج من ذهب إلى أن المراد من قوله تعالى :
ما لكم من ولايتهم من شيء أي : من توليتهم في الميراث ، وأنه هو المراد في الآية السابقة أيضا ، بقوله تعالى :
وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر فإن هذا موالاة في الدين ، فحينئذ لا يجوز حمل الموالاة المنفية على النصرة والمظاهرة ، لأنها لازمة لكل حال لكلا الفريقين .
وأجاب
الرازي بما معناه : إن الولاية هنا ليس المراد بها مطلق التولي حتى يرده ما ذكروه ، بل عني بها معنى خاص ، وهو علاقة شديدة ، ومحبة أكيدة ، وإيثار قوي ، وأخوة وثيقة ، ولا يلزم من النصر التولي ، فقد ينصر المرء ذميا لأمر ما ولا يتولاه ، ويدافع عن عبده أو أمته ويعينهما ولا يتولاهما - والله أعلم - .
الثاني : يظهر أن هذه الآية كسوابقها مما نزل إثر واقعة
بدر ، وطلب من كل من آمن من البادين أن يهاجر ، ليكثر سواد المسلمين ، ويظهر اجتماعهم ، وإعانة بعضهم لبعض ، فتتقوى بألفتهم شوكتهم ، ولم يزل طلب الهجرة إلا بفتح
مكة ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670360« لا هجرة بعد فتح مكة » . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
مجاشع بن مسعود .
الثالث : شمل نفي الموالاة عن الذين لم يهاجروا وقتئذ ، حرمانهم من المغانم والفيء . روى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=660269كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 3048 ] إذا بعث أميرا على سرية ، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا . وقال : « اغزوا بسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال ، فأيتها ما أجابوك إليها فاقبل منهم ، وكف عنهم ، ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم ، ثم ادعهم من التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين ، وأن عليهم ما على المهاجرين ، فإن أبوا واختاروا دارهم ، فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين ، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوا فاقبل منهم ، وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم » .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : انفرد به
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وعنده زيادات أخر .
الرابع : قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة ( ولايتهم ) بكسر الواو ، والباقون بفتحها .
قال
الشهاب : جاء في اللغة : ( الولاية ) مصدرا بالفتح والكسر ، فقيل : هما لغتان فيه بمعنى واحد ، وهو القرب الحسي والمعنوي ، وقيل : بينهما فرق ، فالفتح ولاية مولى النسب ونحوه ، والكسر ولاية السلطان ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة . وقيل الفتح من النصرة والنسب . والكسر من الإمارة . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
وخطأ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي قراءة الكسر ، وهو المخطئ لتواترها ، واختلفوا في ترجيح إحدى القراءتين . ولما قال المحققون من أهل اللغة : إن ( فعالة ) بالكسر في الأسماء لما يحيط بشيء ، ويجعل فيه كاللفافة والعمامة ، وفي المصادر يكون في الصناعات وما يزاول بالأعمال ، كالكتابة والخياطة ، ذهب الزجاج وتبعه غيره إلى أن الولاية لاحتياجها إلى تمرن وتدرب شبهت بالصناعة ، لذا جاء فيها الكسر ، كالإمارة .
وهذا يحتمل أن الواضع حين وضعها شبهها بذلك ، فتكون حقيقة ويحتمل - كما في بعض شروح الكشاف - أن تكون استعارة ، كما سموا الطب صناعة . انتهى .
وقوله تعالى :