[ ص: 3133 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[ 35 ]
يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنـزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون .
يوم يحمى عليها أي : يوقد عليها
في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنـزتم أي : ويقال لهم ضما إلى ما هم فيه ، هذا ما كنزتم
لأنفسكم أي : لتتلذذوا به ، فكان سبب تعذيبها
فذوقوا ما كنتم تكنزون أي : وباله ، وهو ألمه وشدته بالكي .
وفي هذه الآية فوائد :
الأولى : قال بعضهم في قوله تعالى : ( ليأكلون ) دلالة على تحريم الرشا على الباطل ، وقد ورد
nindex.php?page=hadith&LINKID=936142« لعن الله الراشي والمرتشي » .
وكذا تحريم أخذ العوض على فعل الواجب، وفي جواز الدفع ليتوصل إلى حقه خلاف .
رجح الجواز ليتوصل إلى الحق ، كالاستفداء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم يدخل في
تحريم الرشا الأحكام والشهادات والفتاوى وأصول الدين وفروعه ، وكل من حرف شيئا لغرض الدنيا . انتهى .
الثانية : في الآية - كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير - تحذير من علماء السوء وعباد الضلال ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى .
وفي الحديث الصحيح :
« لتركبن سنن من قبلكم حذو [ ص: 3134 ] القذة بالقذة » ، قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : « فمن ؟ » ، وفي رواية : فارس والروم ؟ قال : « ومن الناس إلا هؤلاء ؟ » . ثم أنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16418لابن المبارك :
وهل أفسد الدين إلا الملو ك ، وأحبار سوء ورهبانها
الثالثة : قوله تعالى : ( والذين ) مبتدأ ، والخبر :
يكنزون أو منصوب تقديره : بشر الذين يكنزون .
والتعريف في الموصول للعهد والمعهود ، إما الأحبار والرهبان ، وإما المسلمون الكانزون ، لجري ذكر الفريقين ، وإما ما هو أعم .
والأول روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، والثاني عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، والثالث عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=1584وأبي ذر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجوز أن يكون الموصو إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان ، للدلالة على اجتماع خصلتين مذمومتين فيهم : أخذ البراطيل ، وكنز الأموال والضن بها عن الإنفاق في سبيل الله .
ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين ويقرن بينهم وبين المرتشين من اليهود والنصارى تغليظا ، ودلالة على أن من يأخذ منهم السحت ، ومن لا يعطي منكم طيب ماله ، سواء في استحقاق البشارة بالعذاب الأليم . انتهى .
قال في ( " الأنوار " ) : ويؤيد الثاني
nindex.php?page=hadith&LINKID=886042أنه لما نزل كبر على المسلمين ، فذكر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم » - رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه - .
وقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=65104« ما أدي زكاته فليس بكنز » - أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي –
[ ص: 3135 ] أي : ليس بالكنز المتوعد عليه في الآية ، فإن الوعيد على الكنز مع عدم الإنفاق فيما أمر الله أن ينفق فيه .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=701351« من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها » ونحوه ، فالمراد منها : ما لم يؤد حقها ، لقوله صلى الله عليه وسلم ، فيما أورده الشيخان :
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " تاريخه " ،
nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في " صحيحه " ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=65065« ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره » . انتهى .
وقد اشتهرت محاورة
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية nindex.php?page=showalam&ids=1584لأبي ذر في هذه الآية .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15950زيد بن وهب قال : مررت
بالربذة ، فإذا
nindex.php?page=showalam&ids=1584بأبي ذر ، فقلت : ما أنزلك هذا المنزل ؟ قال : كنت في
الشام ، فاختلفت أنا
nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية في هذه الآية :
والذين يكنزون الذهب والفضة فقال
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا وفيهم ، فكان بيني وبينه في ذلك كلام ، فكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان يشكوني ، فكتب إلي
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان أن اقدم
المدينة فقدمتها ، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=7لعثمان ، فقال : إن شئت تنحيت ، فكنت قريبا .
فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ، ولو أمر علي عبد حبشي لسمعت وأطعت .
nindex.php?page=showalam&ids=16935ولابن جرير في رواية ، بعد قول
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان له : تنح قريبا ، قلت : والله لن أدع ما كنت أقول .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى أن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر كان يحدث ويقول : لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم ، إلا ما ينفقه في سبيل الله ، أو يعده لغريم .
فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية إلى
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان : إن كان لك
بالشام [ ص: 3136 ] حاجة ، فابعث إلى
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر ، فكتب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان أن اقدم علي ، فقدم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : كان من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر رضي الله عنه تحريم
ادخار ما زاد على نفقة العيال ، وكان يفتي بذلك ، ويحثهم عليه ، ويأمرهم به ، ويغلظ في خلافه ، فنهاه
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية فلم ينته .
فخشي أن يضر بالناس في هذا ، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، وأن يأخذه إليه ، فاستقدمه
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان إلى
المدينة ، ثم أنزله
بالربذة : وبها مات رضي الله عنه في خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان .
وقد اختبره
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية رضي الله عنه وهو عنده ، هل يوافق عمله قوله ، فبعث إليه بألف دينار ، ففرقها من يومه ، ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت فهات الذهب .
فقال : ويحك ! إنها خرجت ، ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس : قدمت
المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من
قريش ، إذ جاء رجل أخشن الثياب ، أخشن الجسد ، أخشن الوجه ، فقام عليهم فقال : بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم ، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه ، يتزلزل .
قال : فوضع القوم رؤوسهم ، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا . قال : وأدبر واتبعته حتى جلس إلى
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية فقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم ، فقال : إن هؤلاء لا يعلمون شيئا ، إنما يجمعون الدنيا - رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12070وللبخاري نحوه - .
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=655963قال nindex.php?page=showalam&ids=1584لأبي ذر : « ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا ، [ ص: 3137 ] يمر علي ثلاثة أيام ، وعندي منه شيء ، إلا دينار أرصده لدين » .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : فهذا - والله أعلم - هو الذي حدا
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر على القول بهذا .
أي : وما أخرجه الشيخان أيضا عنه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658660انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة ، فلما رآني قال : « هم الأخسرون ورب الكعبة ! » قال : فجئت حتى جلست ، فلم أتقار حتى قمت فقلت : يا رسول الله ! فداك أبي وأمي ، من هم ؟ قال : « هم الأكثرون أموالا ، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا ، من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، وقليل ما هم » .
وروى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
عبد الله بن الصامت رضي الله عنه ، أنه كان مع
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر ، فخرج عطاؤه ومعه جارية ، فجعلت تقضي حوائجه ، ففضلت معها سبعة ، فأمرها أن تشتري به فلوسا .
قال : قلت : لو ادخرته لحاجة يومك ، وللضيف ينزل بك قال : إن خليلي عهد إلي أن أيما ذهب أو فضة أوكئ عليه ، فهو جمر على صاحبه ، حتى يفرغه في سبيل الله عز وجل إفراغا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : وردت عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر آثار كثيرة ، تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت ، وسداد العيش ، فهو كنز يذم فاعله ، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك ، وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم ، وحملوا الوعيد على
مانعي الزكاة ، وأصح ما تمسكوا به حديث
طلحة وغيره في قصة الأعرابي ، حيث قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650044هل علي غيرها قال : « لا ، إلا أن تطوع » . انتهى .
[ ص: 3138 ] وبالجملة ، فالجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تؤد زكاته . وقد ترجم لذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في ( " صحيحه " ) فقال : ( باب ما أدي زكاته فليس بكنز ) .
ويشهد له حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=886041« إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك » .
- حسنه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم - .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : كل ما أديت زكاته ، وإن كان تحت سبع أرضين ، فليس بكنز وكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز ، وإن كان ظاهرا على وجه الأرض .
- أورده
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي مرفوعا ، ثم قال : المشهور وقفه ، كحديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=886040« إذا أديت زكاة مالك ، فقد أذهبت عنك شره » . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم ، والمرجح وقفه .
هذا وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما ومن وافقه إلى أن الزكاة نسخت وعيد الكنز .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه " أن أعرابيا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : أخبرني عن قول الله تعالى :
والذين يكنزون الذهب والفضة الآية ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : من كنزها فلم يؤد زكاتها ، فويل له .
إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال .
زاد
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه : ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : ما كنت أبالي لو كان لي مثل
أحد ذهبا ، أعلم عدده ، أزكيه وأعمل فيه بطاعة الله تعالى .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في كتاب ( " الناسخ والمنسوخ " ) ، فهذا يشعر بأن الوعيد على الاكتناز . وهو حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساة به ، كان في أول الإسلام ، ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة ، لما فتح الله الفتوح ، وقدرت نصب الزكاة .
ويشعر أيضا
[ ص: 3139 ] بأن
فرض الزكاة كان في السنة التاسعة من الهجرة ، وجزم به
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في ( " تاريخه " ) ، وقواه بعضهم بما وقع في قصة
ثعلبة بن حاطب المطولة ، ففيها
nindex.php?page=hadith&LINKID=886016لما أنزلت آية الصدقة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عاملا فقال : « ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية » . وأقول : إنما وجبت في التاسعة .
وأقول : هذا الحديث ضعفوه ، والأقوى منه كون هذه السورة التي فيها هذه الآية نزلت في السنة التاسعة كما قدمنا ، فإذا نسخت بالزكاة كانت الزكاة في تلك السنة أو بعدها قطعا .
قال
ابن حجر في ( " الفتح " ) : والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر كما تقدم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، واستدل له
nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال بقوله تعالى :
ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو أي : ما فضل عن الكفاية ، فكان ذلك واجبا في أول الأمر ، ثم نسخ - والله أعلم - .
وفي المسند من طريق
يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة ، ثم يخرج إلى قومه ، ثم يرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمع للرخصة ، ويتعلق بالأمر الأول .
وما سقناه من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر ، هو ما ساقه المفسرون وشراح الحديث .
وزعم بعضهم أن الذي حدا
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر لذلك ما رآه من استئثار
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بالفيء حيث قال : الذي صح أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كانوا يعتبرون الفيء لكافة المسلمين ، يستوي فيه المقاتلون وغيرهم ، ولعله باعتبار أن القتال فريضة على كل المسلمين فكلهم داخل تحت ذلك الحكم .
قال : والذي يؤيد أنه لكافة المسلمين ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر رضي الله عنه لما كان
بالشام ، والوالي عليها من
[ ص: 3140 ] قبل الخليفة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية رضي الله عنهما ، ورأى من
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ما يشعر بحرصه على ادخار المال في بيت المال ، لصرفه في وجوه المصالح التي يراها للمسلمين ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر مشهورا بالورع شديد الحرص على حقوق المسلمين ، يقول الحق ولو على نفسه .
أخذ يتكلم بهذا الأمير بين الناس ، واتخذ له حزبا من أهل
الشام يساعده على مطالبة
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية برد المال للمسلمين ، وبيان عدم الرضا بكنزه في بيت المال ، لأي حال من الأحوال ، إلا لتوزيعه على كافة المسلمين لاشتراكهم بما أفاء الله عليهم أجمعين ، وتابعه على قوله جماعة كثيرون كانوا يجتمعون لهذا القصد سرا وجهرا ، حتى كادت تكون فتنة ، فشكاه
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية إلى الخليفة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنهم أجمعين ، فنفاه إلى
الربذة خوفا من حدوث ما لا تحمد عقباه . انتهى .
ونقل ما يقرب منه
ابن حجر في ( " الفتح " ) حيث قال : والصحيح أن إنكار
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه .
الرابعة : إنما قيل :
ولا ينفقونها بضمير المؤنث ، مع أن الظاهر التثنية ، إذ المذكور شيئان لأن المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة ، وذلك لأن الكثير منهما هو الذي يكون كنزا ، فأتى بضمير الجمع للدلالة على الكثرة ، ولو ثنى احتمل خلافه . وقيل : الضمير عائد على الكنوز أو الأموال المفهومة من الكلام ، فيكون الحكم عاما ، ولذا عدل فيه عن الظاهر . وتخصيصهما بالذكر لأنهما الأصل الغالب في الأموال للتخصيص .
وقيل : الضمير للفضة ، واكتفى بها ، لأنها أكثر ، والناس إليها أحوج ، ولأن الذهب يعلم منها بالطريق الأولى ، مع قربها لفظا .
الخامسة : في قوله تعالى : ( فبشرهم ) تهكم بهم ، كما في قوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
[ ص: 3141 ] وقيل : البشارة هي الخبر الذي يتغير له لون البشرة ، لتأثيره في القلب ، سواء كان من الفرح أو من الغم .
السادسة : قيل في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالكي دون غيرها ، بأن جمع ذويها وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية ، والملابس البهية ، فلوجاهتهم ورئاستهم المعروفة بوجوههم كان الكي بجباههم ، ولامتلاء جنوبهم بالطعام كووا عليها ، ولما لبسوه على ظهورهم كويت .
وقيل : لأنهم إذا سألهم فقير تبدو منهم آثار الكراهة والمنع ، فتكلح وجوههم ، وتقطب . ثم إذا كرر الطلب ازوروا عنه وتركوه جانبا ، ثم إذا ألح ولوه ظهورهم واستقبلوا جهة أخرى ، وهي النهاية في الرد ، والغاية في المنع الدال على كراهية الإعطاء والبذل .
وهذا دأب مانعي البر والإحسان ، وعادة البخلاء ، فكان ذلك سببا لكي هذه الأعضاء . وقيل : لأن هذه الأعضاء أشرف الأعضاء الظاهرة ، إذ هي المشتملة على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد ، أو لأنها أصول الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومآخره وجنباه ، فيكون كناية عن جميع البدن .
وقال
القاشاني : جمع المال وكنزه مع عدم الإنفاق لا يكون إلا لاستحكام رذيلة الشح ، وحب المال ، وكل رذيلة لها كية يعذب بها صاحبها في الآخرة ويخزى بها في الدنيا . ولما كانت مادة رسوخ تلك الرذيلة واستحكامها هي ذلك المال ، وكان هو الذي يحمى عليه في نار جحيم الطبيعة ، وهاوية الهوى ، فيكوى به .
وإنما خصت هذه الأعضاء ، لأن الشح مركوز في النفس ، والنفس تغلب القلب من هذه الجهات ، لا من جهة العلو التي هي جهة استيلاء الروح ، وممر الحقائق والأنوار ، ولا من جهة السفل التي هي من جهة الطبيعة الجسمانية ، لعدم تمكن الطبيعة من ذلك ، فبقيت سائر الجهات ، فيؤذى بها من الجهات الأربع ويعذب ، كما تراه يعاب بها في الدنيا ، ويجزى من هذه الجهات أيضا ، إما بأن يواجه بها جهرا فيفضح ، أو يسار بها في جنبه ، أو يغتاب بها من وراء ظهره . انتهى .
[ ص: 3142 ] السابعة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : ( يوم ) من قوله تعالى :
يوم يحمى عليها ظرف على المعنى ، أي : يعذبهم في ذلك اليوم .
وقيل : تقديره عذاب يوم ، وعذاب بدل من الأول ، فلما حذف المضاف أقام ( اليوم ) مقامه . وقيل : التقدير اذكروا ، و ( عليها ) في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل .
وقيل : القائم مقام الفاعل مضمر ، أي : يحمى الوقود أو الجمر ، و ( بها ) أي : بالكنوز . وقيل هي بمعنى ( فيها ) ، أي : في جهنم وقيل : ( يوم ) ظرف لمحذوف تقديره : يوم يحمى عليها يقال لهم هذا ما كنزتم .
ولما بين تعالى فيما تقدم إقدام الأحبار والرهبان على تغيير أحكام الله تعالى إيثارا لحظوظهم ، أتبعه بما جرأ عليه المشركون ، في نظيره من تغيير الأشهر التي حرمها الله تعالى بغيرها ، وهو النسيء الآتي ، وقوفا مع شهواتهم أيضا ، فنعى عليهم سعيهم في تغيير حكم السنة بحسب أهوائهم وآرائهم مما أوجب زيادة كفرهم ، فقال سبحانه :