القول في تأويل قوله تعالى:
[ 92 ]
قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين قال لا تثريب أي: لا تعيير ولا توبيخ ولا تقريع:
عليكم اليوم أي: وإن كنتم ملومين قبل ظهور منتهى فعلكم، ولا إثم عليكم; إذ
يغفر الله لكم [ ص: 3589 ] أي: حقي لرضاي عنكم، وحقه أيضا لواسع رحمته، كما قال:
وهو أرحم الراحمين أي: فكأنه لا خطأ منكم. و (اليوم) متعلق بالتثريب، أو بالمقدر في (عليكم) من معنى الاستقرار. والمعنى: ولا أثربكم اليوم، وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب، فما ظنكم بغيره من الأيام؟! فتعبيره بـ (اليوم) ليس لوقوع التثريب في غيره، لأن من لم يثرب أول لقائه واشتعال ناره، فبعده بطريق الأولى.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15194الشريف المرتضى في (الدرر): إن اليوم موضوع موضع الزمان كله كقوله:
اليوم يرحمنا من كان يغبطنا واليوم نتبع من كانوا لنا تبعا
ثم زادهم تكريما بأن دعا لهم بالمغفرة، لما فرط منهم بقوله:
يغفر الله لكم
وقوله:
وهو أرحم الراحمين تحقيق لحصول المغفرة; لأنه عفا عنهم، فالله أولى بالعفو والرحمة لهم، وبيان للوثوق بإجابة الدعاء. وجوز تعلق (اليوم) بـ (يغفر). والجملة خبرية سيقت بشارة بعاجل غفران الله; لما تجدد يومئذ من توبتهم وندمهم على خطيئتهم. والوجه الأول أظهر. والثاني من الإغراب في التوجيهات.
تنبيه:
قال بعضهم: إن تجاوز
يوسف عن ذنب إخوته، وإبقاءه عليهم، ومصافاته لهم، تعلمنا أن نغفر لمن يسيء إلينا، ونحسن إليه، ونصفي له الود، وأن نغضي عن كل إهانة تلحق بنا، فيسبغ الله تعالى إذ ذاك علينا نعمه وخيراته في هذه الدنيا، كما أوسع على
يوسف ويورثنا السعادة الأخروية. وأما إذا أضمرنا السوء للمسيئين إلينا، ونقمنا منهم، فينتقم الله منا، ويوردنا مورد الثبور، فنعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا.
ثم قال لهم
يوسف: