القول في تأويل قوله تعالى :
[14]
وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون .
وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا هو السمك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ووصفه بالطراوة ; لأن الفساد يسرع إليه ، فيسارع إلى أكله ، خيفة الفساد عليه .
قال
الناصر : فكأن ذلك تعليم لأكله ، وإرشاد إلى أنه لا ينبغي أن يتناول إلا طريا . والأطباء يقولون : إن تناوله بعد ذهاب طراوته أضر شيء يكون . والله أعلم . انتهى .
[ ص: 3788 ] قال
الشهاب : ففيه إدماج لحكم طبي . وهذا لا ينافي تقديده وأكله مخللا ، كما توهم . انتهى .
أقول : الأظهر في سر وصفه بالطراوة : هو التنبيه على حسنه ولطفه ، وعلى التفكير في باهر قدرته وعجيب صنعه سبحانه ، في خلقه إياه ، على كيفية تباين لحوم حيوانات البر ، مع اشتراكهما في الحيوانية .
وتستخرجوا منه حلية كاللؤلؤ والمرجان :
تلبسونها أي : تلبسها نساؤكم ، والإسناد إليهم ; لأنهن من جملتهم في الخلطة والتابعية ، ولأنهن إنما يتزين بها من أجلهم ، فكأنها زينتهم ولباسهم . أو معنى ( تلبسون ) تتمتعون وتلتذون ، على طريق الاستعارة والمجاز . ولو جعل من مجاز البعض لصح . أي : تلبسها نساؤكم .
قال
الناصر : ولله در
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رضي الله عنه ، حيث جعل
للزوج الحجر على زوجته فيما له بال من مالها . وذلك مقدر بالزائد على الثلث ; لحقه فيه بالتجمل . فانظر إلى مكانة حظ الرجال من مال النساء ومن زينتهن ، حتى جعل حظ المرأة من مالها وزينتها حلية له . فعبر عن حظه في لبسها بلبسه ، كما يعبر عن حظها سواء .
قال
الشهاب : فإن قلت : الظاهر أن يقال تحلونهن ، أو تقلدونهن كما قال :
تروع حصاه حالية العذارى فتلمس جانب العقد النظيم
وهي للنساء دون الرجال . قلت : أما الأول فسهل ; لأن المراد لازمه . أي : تحلونهن . والثاني على فرض تسليمه : هم يتمتعون بزينة النساء ، فكأنهم لابسون . وإذا لم يكن تغليبا ، فهو مجاز ، بمعنى : تجعلونها لباسا لبناتكم ونسائكم .
ونكتة العدول: أن
النساء [ ص: 3789 ] مأمورات بالحجاب وإخفاء الزينة عن غير المحارم . فأخفي التصريح به ليكون اللفظ كالمعنى . انتهى .
وناقش صاحب (" فتح البيان ") ما قدروه في الآية حيث قال : وظاهر قوله تعالى :
تلبسونها أنه
يجوز للرجال أن يلبسوا اللؤلؤ والمرجان ، أي : يجعلونهما حلية لهم كما يجوز للنساء . ولا حاجة لما تكلفه جماعة من المفسرين في تأويل قوله :
تلبسونها بقولهم : تلبسها نساؤهم. لأنهن من جملتهم ، أو لكونهن يلبسنها لأجلهم . وليس في الشريعة المطهرة ما يقتضي منع الرجال من التحلي باللؤلؤ والمرجان ، ما لم يستعمله على صفة لا يستعمله عليها إلا النساء خاصة . فإن ذلك ممنوع ، ورد الشرع بمنعه ، من جهة كونه تشبها بهن ، لا من جهة كونه حلية لؤلؤ أو مرجان . انتهى .
قال
السيوطي في (" الإكليل ") : في الآية دليل على إباحة
لبس الرجال الجواهر ونحوها . واستدل بها من قال بحنث الحالف لا يلبس حليا بلبس اللؤلؤ ; لأنه تعالى سماه (حليا) واستدل بها بعضهم على أنه لا زكاة في حلي النساء . فأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
أبي جعفر ، أنه سئل :
هل في حلي النساء صدقة ؟ قال : لا ، هي كما قال :
حلية تلبسونها انتهى .
قال في (" فتح البيان ") : وفي هذا الاستدلال نظر . والذي ينبغي التعويل عليه : أن الأصل البراءة من الزكاة حتى يرد الدليل بوجوبها في شيء من أنواع المال فتلزم . وقد ورد في الذهب والفضة ما هو معروف . ولم يرد في الجواهر ، على اختلاف أصنافها ما يدل على وجوب
الزكاة فيها. وقوله تعالى:
وترى الفلك أي : السفن :
مواخر فيه أي : جواري جمع ( ماخرة ) بمعنى جارية . وأصل معنى (المخر) : الشق ; لأنها تشق الماء بمقدمها :
ولتبتغوا من فضله عطف على محذوف ، أي : لتنتفعوا بذلك :
ولتبتغوا من فضله أي : من سعة رزقه ، بركوبها للتجارة :
ولعلكم تشكرون أي : فتصرفون ما أنعم به عليكم إلى ما خلق لأجله.
[ ص: 3790 ] قال
أبو السعود : ولعل تخصيص هذه النعمة بالتعقيب بالشكر ، من حيث إن فيها قطعا لمسافة طويلة ، مع أحمال ثقيلة ، في مدة قليلة، من غير مزاولة أسباب السفر . بل من غير حركة أصلا . مع أنها في تضاعيف المهالك . وعدم توسيط الفوز بالمطلوب بين الابتغاء والشكر ; للإيذان باستغنائه عن التصريح به وبحصولهما معا .
وقوله تعالى :