القول في تأويل قوله تعالى :
[70]
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا .
ولقد كرمنا بني آدم أي : بالنطق والتمييز والعقل والمعرفة والصورة والتسلط على ما في الأرض والتمتع به :
وحملناهم في البر والبحر أي : يسرنا لهم أسباب المعاش والمعاد
[ ص: 3951 ] بالسير في طلبها فيهما ، وتحصيلها :
ورزقناهم من الطيبات أي : فنون المستلذات التي لم يرزقها غيرهم من المخلوقات :
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا أي : عظيما ، فحق عليهم أن يشكروا هذه النعم ، بأن يعبدوا المتفضل بها وحده ويقيموا شرائعه وحدوده .
تنبيه :
ظاهر قوله تعالى : ( على كثير ) أن ثمة من لم يفضل البشر عليه . قيل : وهم الذوات المقدسة من الملأ الأعلى . أعني الملائكة .
قال
القاشاني : وأما أفضلية بعض الناس ، كالأنبياء على الملائكة المقربين ، فليست من جهة كونهم بني آدم . بل من جهة السر المودع فيهم ، المشار إليه بقوله :
إني أعلم ما لا تعلمون وهو ما أعد لذلك البعض من المعرفة الإلهية التامة . وحينئذ ليس هو بهذا الاعتبار من بني آدم كما قيل :
وإني وإن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
وذهب قوم إلى تأويل ( الكثير ) بـ ( الكل ) كما أول ( القليل ) بمعنى ( العدم ) في قوله تعالى :
فقليلا ما يؤمنون والمعنى : وفضلناهم على الجم الغفير من خلقنا ، أي : جميع المخلوقات .
قال القاشاني : على أن تكون ( من ) للبيان والمبالغة في تعظيمه ، بوصف
المفضل عليهم بالكثرة وتنكير الوصف وتقديمه على الموصوف . أي : كثير ، وأي كثير ، وهو جميع
[ ص: 3952 ] مخلوقاتنا لدلالة ( من ) على العموم ، ولا يخفى أنه
لا يلزم من تفضيل جنس على جنس آخر تفضيل كل فرد منه على كل فرد من الآخر . والمسألة معروفة في كتب الكلام .
وقوله تعالى :