القول في تأويل قوله تعالى :
[14 ]
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون
"وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" أي : أظهروا لهم الإيمان ، والموالاة ، والمصافاة -نفاقا، ومصانعة، وتقية، وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم- .
[ ص: 50 ] واعلم أن مساق هذه الآية بخلاف ما سيقت له أول قصة المنافقين ، فليس بتكرير ; لأن تلك في بيان مذهبهم ، والترجمة عن نفاقهم ؛ وهذه لبيان تباين أحوالهم ، وتناقض أقوالهم - في أثناء المعاملة والمخاطبة - حسب تباين المخاطبين!
وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون يقال : خلوت بفلان وإليه أي : انفردت معه ؛ ويجوز أن يكون من خلا بمعنى : مضى ، ومنه : القرون الخالية . والمراد بـ "شياطينهم" : أصحابهم أولو التمرد والعناد ؛ والشيطان يكون من الإنس والجن ، كما قال تعالى :
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وإضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر ، واشتقاق شيطان من شطن ، إذا بعد ; لبعده من الصلاح والخير .
ومعنى "إنا معكم" أي : في الاعتقاد على مثل ما أنتم عليه، إنما نحن في إظهار الإيمان عند المؤمنين مستهزئون ساخرون بهم . والاستهزاء بالشيء السخرية منه ، يقال : هزأت واستهزأت بمعنى .