صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى:

[205] وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد

وإذا تولى انصرف عمن خدعه بكلامه: سعى - مشى -: في الأرض ليفسد فيها بإدخال الشبه في قلوب المسلمين، وباستخراج الحيل في تقوية الكفر، وهذا [ ص: 509 ] المعنى يسمى فسادا، كقوله تعالى حكاية عن قوم فرعون: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض أي: يردوا قومك عن دينهم ويفسدوا عليهم شرعتهم. وسمي هذا المعنى فسادا لأنه يوقع الاختلاف بين الناس، ويفرق كلمتهم، ويؤدي إلى أن يتبرأ بعضهم من بعض، فتنقطع الأرحام، وتنسفك الدماء. وهذا كثير في القرآن المجيد ويهلك الحرث أي: الزرع: والنسل أي: المواشي الناتجة.

قال بعض المحققين: وإن إهلاك الحرث والنسل كناية عن الإيذاء الشديد، وإن التعبير به عن ذلك صار من قبيل المثل ; فالمعنى: يؤذي مسترسلا في إفساده ولو أدى إلى إهلاك الحرث والنسل.

والله لا يحب الفساد أي: لا يرضى فعله.

قال الراغب: إن قيل: كيف حكم تعالى بأنه لا يحب الفساد وهو مفسد للأشياء؟ قيل: الإفساد في الحقيقة: إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح، وذلك غير موجود في فعل الله تعالى، ولا هو آمر به، ولا محب له، وما يرى من فعله، ويظهر بظاهره فسادا، فهو بالإضافة إلينا واعتبارنا له كذلك. فأما بالنظر الإلهي فكله صلاح، ولهذا قال بعض الحكماء: يا من إفساده إصلاح! أي: ما نظنه إفسادا ; لقصور نظرنا ومعرفتنا - فهو في الحقيقة إصلاح. وجملة الأمر: إن الإنسان هو زبدة هذا العالم وما سواه مخلوق لأجله، ولهذا قال تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض والمقصد من الإنسان سوقه إلى كماله [ ص: 510 ] الذي رسخ له. فإذن: إهلاك ما أمر بإهلاكه، لإصلاح الإنسان وما منه أسباب حياته الأبدية. ولشرح هذه الجملة موضع آخر....

التالي السابق


الخدمات العلمية