القول في تأويل قوله تعالى:
[118]
إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى [119]
وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى .
إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى أي: لا تتصون من حر الشمس.
قال
أبو السعود : هذا تعليل لما يوجبه النهي. فإن اجتماع أسباب الراحة فيها. مما يوجب المبالغة في الاهتمام بتحصيل مبادئ البقاء فيها. والجد في الانتهاء عما يؤدي إلى الخروج عنها. والعدول عن التصريح بأن له عليه السلام فيها تنعما بفنون النعم. من المآكل والمشارب، وتمتعا بأصناف الملابس البهية والمساكن المرضية، مع أن فيه من الترغيب في البقاء فيها، ما لا يخفى. إلا ما ذكر من نفي نقائضها التي هي الجوع والعطش والعري والضحو، لتذكير تلك الأمور المنكرة والتنبيه على ما فيها من أنواع الشقوة التي حذره عنها، ليبالغ في التحامي عن السبب المؤدي إليها. انتهى.
لطيفة:
قال
الناصر : في الآية سر بديع من البلاغة، يسمى قطع النظير عن النظير. وذلك أنه قطع الظمأ عن الجوع، والضحو عن الكسوة، مع ما بينهما من التناسب. والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم وتصنيفها، ولو قرن كلا بشكله لتوهم المعدودات نعمة واحدة.
[ ص: 4215 ] وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا، فقال الكندي الأول:
كأني لم أركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل
لخيلي: كري كرة بعد إجفال
فقطع ركوب الجواد عن قوله: لخيلي كري كرة، وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكأس، مع التناسب. وغرضه أن يعدد ملاذه ومفاخره ويكثرها.
على أن هذه الآية سرا لذلك، زائدا على ما ذكر، وهو قصد تناسب الفواصل. ولو قرن الظمأ بالجوع فقيل: إن لك أن لا تجوع فيها ولا تظمأ، لانتثر سلك رؤوس الآي. وأحسن به منتظما. انتهى. وهذا السر الذي سماه: قطع النظير عن النظير يسمى بالوصل الخفي. ومما قيل في وجه القطع: أن فيه التنبيه على أن الأولين، أعني الشبع والكسوة أصلان. وأن الأخيرين متممان. فالامتنان على هذا أظهر. ولذا فرق بين القرينتين. فقيل إن لك وأنك وأيضا روعي مناسبة الشبع والكسوة. لأن الأول يكسو العظام لحما. وأما الظمأ والضحى فمن واد واحد. وقيل: إن الغرض تعديد هذه النعم. ولو قرن كل بما يشاكله، لتوهم المقرونان نعمة واحدة.