القول في تأويل قوله تعالى :
[8 - 10]
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد .
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير أي : يجادل في شأنه تعالى من غير تمسك بعلم ضروري ولا باستدلال ونظر صحيح ، يهدي إلى المعرفة . ولا بوحي مظهر للحق . أي : بل بمجرد الرأي والهوى ، وهذه الآية في حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفر المقلدين - بفتح اللام - كما أن ما قبلها في حال الضلال الجهال المقلدين - بكسر اللام - فلا تكرار أو أنهما في الدعاة المضلين واعتبر تغاير أوصافهم فيها ، فلا تكرار أيضا .
قال في (" الكشف " ) : والأول أظهر وأوفق بالمقام . وكذا اختاره
أبو مسلم فيما نقله عنه
الرازي ، ثم قال : فإن قيل كيف يصح ما قلتم ، والمقلد لا يكون مجادلا ؟ قلنا : قد يجادل تصويبا لتقليده وقد يورد الشبهة الظاهرة إذا تمكن منها ، وإن كان معتمده الأصلي هو التقليد .
[ ص: 4327 ] وقوله :
ثاني عطفه حال من فاعل (يجادل ) أي : عاطفا لجانبه إعراضا واستكبارا عن الحق ، إذا دعي إليه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ثني العطف عبارة عن الكبر والخيلاء . كتصعير الخد ولي الجيد . وقوله :
ليضل عن سبيل الله أي : ليصد عن دينه وشرعه ، متعلق بـ(يجادل ) علة له :
له في الدنيا خزي أي : إهانة ومذلة ، كما أصابه يوم بدر من الصغار والفشل :
ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق أي : النار المحرقة :
ذلك بما قدمت يداك على الالتفات ، أو إرادة القول . أي : يقال له يوم القيامة : ذلك الخزي والتعذيب بسبب ما اقترفته من الكفر والضلال والإضلال . وإسناده إلى يديه ، لما أن الاكتساب عادة يكون بالأيدي
وأن الله ليس بظلام للعبيد أي : بل هو العدل في معاقبة الفجار ، وإثابة الصالحين .