[ ص: 4349 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[46]
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
أفلم يسيروا أي : أهل مكة في تجارتهم :
في الأرض فتكون لهم أي : بما يشاهدونه من مواد الاعتبار :
قلوب يعقلون بها أي : ما يجب أن يعقل من التوحيد :
أو آذان يسمعون بها أي : ما يجب أن يسمع من الوحي والتخويف :
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور الضمير في (فإنها ) للقصة . أو مبهم يفسره (الأبصار ) . والمعنى : ليس الخلل في مشاعرهم ، وإنما هو في عقولهم باتباع الهوى والانهماك في الغفلة . وفائدة ذكر الصدور هو التأكيد مثل :
يقولون بأفواههم و :
طائر يطير بجناحيه إلا أنه لتقرير معنى الحقيقة ، وهنا لتقرير معنى المجاز .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الفائدة زيادة التصوير والتعريف وعبارته : الذي قد تعورف واعتقد ; أن العمى على الحقيقة مكانه البصر ، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها . واستعماله في القلب استعارة ومثل . فلما أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ، ونفيه عن الأبصار ، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف ، ليتقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الأبصار . كما تقول : (ليس المضاء للسيف ، ولكنه للسانك الذي بين فكيك ) ، فقولك : (الذي بين فكيك ) تقرير لما ادعيته للسانه ، وتثبيت . لأن محل المضاء هو هو لا غير . وكأنك قلت : ما نفيت المضاء عن السيف . وأثبته للسانك ، فلتة ولا سهوا مني ، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمدا .