القول في تأويل قوله تعالى :
[48]
وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير .
وكأين من قرية أمليت لها أي : أمهلتها :
وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير إلى حكمي مرجع الكل فأجزيهم بأعمالهم . فتأثر هذه الآية ما قبلها صريح في بيان خطئهم في الاستعجال المذكور ، ببيان كمال سعة حلمه تعالى ، وإظهار غاية ضيق عطنهم ، المستتبع لكون المدة القصيرة عنه تعالى ، مددا طوالا عندهم ، حسبما ينطق به قوله تعالى :
إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ولذلك يرون مجيئه بعيدا ، ويتخذونه ذريعة إلى إنكاره ، ويجترئون على الاستعجال به ، ولا يدرون أن معيار تقدير الأمور كلها ، وقوعا وإخبارا ، ما عنده تعالى من المقدار . أفاده
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير وأبو السعود .
وفي (" العناية " ) : لما ذكر استعجالهم ، وبين أنه لا يتخلف ما استعجلوه ، وإنما أخر
[ ص: 4351 ] حلما ، لأن اليوم ألف سنة عنده . فما استطالوه ليس بطويل بالنسبة إليه ، بل هو أقصر من يوم . فلا يقال : إن المناسب حينئذ أن ألف سنة كيوم ، والقلب لا وجه له .
وقال
الرازي : لما حكى تعالى من عظم ما هم عليه من التكذيب ، أنهم يستهزئون باستعجال العذاب ، بين أن
العاقل لا ينبغي أن يستعجل عذاب الآخرة فقال :
وإن يوما عند ربك يعني فيما ينالهم من العذاب وشدته :
كألف سنة لو عد في كثرة الآلام وشدتها . فبين سبحانه أنهم لو عرفوا حال عذاب الآخرة ، وأنه بهذا الوصف لما استعجلوه .
قال
الرازي : وهذا قول
أبي مسلم ، وهو أولى الوجوه . انتهى .
وقد حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بقوله : وقيل معناه : كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه ، في طول ألف سنة من سنيكم . لأن أيام الشدائد مستطالة ، أي : تعد طويلة كما قيل :
تمتع بأيام السرور فإنها قصار وأيام الهموم طوال
أو كان ذلك اليوم الواحد ، لشدة عذابه ، كألف سنة من سني العذاب . انتهى .
واعتمد الوجه الأول
أبو السعود . وناقش فيما بعده ; بأنه لا يساعده سياق النظم الجليل ولا سياقه . فإن كلا منهما ناطق بأن المراد هو العذاب الدنيوي . وأن الزمان الممتد هو الذي مر عليهم قبل حلوله بطريق الإملاء والإمهال . لا الزمان المقارن له . ألا يرى إلى قوله تعالى :
وكأين من قرية إلخ ، فإنه صريح في أن المراد هو الأخذ العاجل الشديد ، بعد الإملاء المديد . انتهى . وفيه قوة . فالله أعلم .