القول في تأويل قوله تعالى :
[18 ]
صم بكم عمي فهم لا يرجعون
"صم بكم عمي" الصمم : آفة مانعة من السماع ، سمي به فقدان حاسة السمع ، لما أن سببه اكتناز باطن الصماخ ، وانسداد منافذه ، بحيث لا يكاد يدخله هواء يحصل الصوت بتموجه . والبكم : الخرس . والعمى : عدم البصر عما من شأنه أن يبصر .
[ ص: 57 ] وصفوا بذلك -مع سلامة حواسهم المذكورة- لما أنهم سدوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم ، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم ، فجعلوا كأنما أصيب بآفة مشاعرهم - كقوله - :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وكقوله :
أصم عن الشيء الذي لا أريده وأسمع خلق الله حين أريد
"فهم لا يرجعون" أي : - بسبب اتصافهم بالصفات المذكورة - لا يعودون إلى الهدى - بعد أن باعوه ، أو عن الضلالة - بعد أن اشتروها ، فالآية الكريمة تتمة للتمثيل بأن ما أصابهم ليس مجرد انطفاء نارهم ، وبقائهم في ظلمات كثيفة هائلة- مع بقاء حاسة البصر بحالها- بل اختلت مشاعرهم جميعا، واتصفوا بتلك الصفات فبقوا جامدين في مكانهم لا يرجعون ، ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون ؟ وكيف يرجعون إلى ما ابتدأوا منه.