القول في تأويل قوله تعالى :
[26 - 30]
قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنـزلني منـزلا مباركا وأنت خير المنـزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين قال أي : بعد ما أيس من إيمانهم :
رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه [ ص: 4397 ] أن اصنع الفلك بأعيننا أي : ملتبسا بحفظنا وكلاءتنا ، لا تلحقها آفة ولا يعترضها نقص عبر بكثرة آلة الحس التي بها يحفظ الشيء ، ويراعى من الاختلال والزيغ ، عن المبالغة في الحفظ والرعاية ، على طريق التمثيل ، وقيل : المعنى بمرأى منا ومشهد في حفظنا وكلاءتنا . بناء على أن المراد بالعين البصر ، وأنه يسمى البصر عينا لأجل أنه مما يتعلق به ويقوم به . من باب تسمية الشيء باسم محله . وباسم ما هو قائم به .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13428الإمام ابن فورك في (" متشابه الحديث " ) - بعد حكاية نحو ما تقدم - : وقد اختلف أصحابنا
فيما يثبت لله عز وجل من الوصف له بالعين . فمنهم من قال : إن المراد به البصر والرؤية . ومنهم من قال : إن طريق إثباتها صفة لله تعالى بالسمع . وسبيل القول فيها كسبيل القول في اليد والوجه . انتهى .
ومذهب السلف ; أن
الصفات يحتذى فيها حذو الذات ، فكما أنها منزهة عن التشبيه والتمثيل والتكييف ، فكذلك الصفات إثباتها منزه عن ذلك وعن التحريف والتأويل . وقوله تعالى :
ووحينا أي : أمرنا وتعليمنا كيف تصنع :
فإذا جاء أمرنا أي : عذابنا :
وفار التنور كناية عن الشدة . كقولهم : (حمي الوطيس ) . و(التنور ) : كانون الخبز حقيقة . وأطلقه بعضهم على وجه الأرض ومنبع الماء ، للآية مجازا :
فاسلك فيها أي : فأدخل في الفلك :
من كل أي : من كل أمة :
زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي : في الدعاء لهم بالنجاة ، عند مشاهدة هلاكهم :
إنهم مغرقون أي : في بحر الهلاك ، كما غرقوا في بحر الضلال وظلمهم أنفسهم ، بعد أن أملى لهم الدهر المتطاول :
فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنـزلني أي : في السفينة أو منها :
منـزلا مباركا وأنت خير المنـزلين أي : لمن أنزلته منزل قربك :
إن في ذلك أي فيما فعل بنوح وقومه :
لآيات أي : يستدل بها ويعتبر أولو الأبصار :
وإن كنا لمبتلين [ ص: 4398 ] أي : مصيبين قوم
نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد . أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا ، لننظر من يعتبر ويدكر . كقوله تعالى :
ولقد تركناها آية فهل من مدكر و(إن ) مخففة على الأصح - وقيل نافية . واللام بمعنى (إلا ) والجملة حالية .