القول في تأويل قوله تعالى :
[58]
يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين [ ص: 4547 ] تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم .
يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم أي : من العبيد والجواري :
والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم أي : هي ثلاث عورات لكم . إشارة إلى علة
وجوب الاستئذان بأنهن أوقات يختل فيها التستر عادة ، ويكون النوم فيها مع الأهل غالبا . فالهجوم على أهل البيت في هذه الأحوال ، مما تأباه النفوس وتكرهه أشد الإباء والكراهة :
ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم أي : ليس عليكم جناح في ترك نهيهم عن الدخول بلا إذن . ولا عليهم جناح من الدخول بدونه ، بعد هذه الأوقات ، وإن احتمل فيها الإخلال بالتستر لندرته . وذلك لأنهم طوافون عليكم ، فيعسر عليهم الاستئذان في كل مرة :
بعضكم على بعض أي : بعضكم طائف على بعض طوافا كثيرا . أو بعضكم يطوف على بعض .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة ، يطوفون عليكم للخدمة وتطوفون عليهم للاستخدام . فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأدى إلى الحرج
كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم يشرع ما فيه الحكمة وصلاح الحال وانتظام الشأن .
تنبيه :
في الآية إقرار ما جرت به العادة من أن
النوم وقته بعد العشاء وقبل الفجر ووقت الظهيرة . وقد يستدل بها على أن
كشف العورة في الخلوة جائز . كذا في (" الإكليل " ) .
[ ص: 4548 ] وقال
الرازي : الآية دالة على أن
الواجب اعتبار العلل في الأحكام إذا أمكن لأنه تعالى نبه على العلة في هذه الأوقات الثلاثة من وجهين : أحدهما بقوله تعالى :
ثلاث عورات لكم والثاني بالتنبيه على الفرق بين هذه الأوقات الثلاثة ، وبين ما عداها ، بأنه ليس ذاك إلا لعلة التكشف في هذه الأوقات الثلاثة ، وإنه لا يؤمن وقوع التكشف فيها وليس كذلك ما عدا هذه الأوقات .