القول في تأويل قوله تعالى :
[50 - 52]
ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا .
ولقد صرفناه أي : كررنا هذا القول الذي هو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر :
بينهم ليذكروا أي : ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا :
فأبى أكثر الناس إلا كفورا أي : كفران النعمة وجحودها :
ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا أي : نبيا ينذر أهله فيخف عليك أعباء النبوة . لكن لم نشأ ذلك ، فلم نفعله . بل قصرنا الأمر عليك حسبما ينطق به قوله تعالى :
ليكون للعالمين نذيرا إجلالا لك وتعظيما ، وتفضيلا لك على سائر الرسل .
وقال
المهايمي : أي : لكن لم نشأ . لأنه يقتضي تفرق الأمم ، وتكثر الاختلافات .
[ ص: 4583 ] فجعلنا الواحد نذيرا للكل ليطيعوه أو يقاتلهم . والكفار يريدون أن يطيعهم الرسل أو يتركوهم على ما هم عليه :
فلا تطع الكافرين أي : فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق والتشدد والتصبر . ولا تطعهم فيما يريدونك عليه . وأراد بهذا النهي ، تهييجه وتهييج المؤمنين ، وتحريكهم . أي : إثارة غيرته وغيرتهم . وإلا فإطاعته لهم غير متصورة .
وقال
أبو السعود : كأنه نهي له ، عليه الصلاة والسلام ، عن المداراة معهم ، والتلطف معهم . أي : لأن في ذلك إضعافا للحق وتغشية عليه . وطول أمد في سريانه . ولذا قال :
وجاهدهم به أي : بالقرآن وما نزل إليك من الحق :
جهادا كبيرا أي : لا يخالطه فتور ، بأن تلزمهم بالحجج والآيات ، وتدعوهم إلى النظر في سائر الآنات ، لتتزلزل عقائدهم ، وتسمج في أعينهم عوائدهم . وهذه الآية من أصرح الأدلة في
وجوب مجادلة المبطلين ، ودعوتهم إلى الحق بقوة ، والتفنن في محاجتهم بأفانين الأدلة . فإن الحق يتضح بالأدلة . كما أن الشهور تشتهر بالأهلة .