القول في تأويل قوله تعالى :
[53]
وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا .
وهو الذي مرج البحرين أرسلهما متجاورين متلاصقين ، بحيث لا يتمازجان :
هذا عذب فرات أي : شديد العذوبة قامع للظمأ :
وهذا ملح أجاج أي : بليغ الملوحة :
وجعل بينهما برزخا أي : حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر :
وحجرا محجورا أي : منعا من وصول أثر أحدهما إلى الآخر ، وامتزاجه به ، حتى بعد دخول أحدهما في الآخر مسافة .
لطيفة :
تلطف هنا
المهايمي في تأويل الآية ، بمعنى يصلها بالآية قبلها ، في أسلوب غريب . قال
[ ص: 4584 ] رحمه الله في قوله تعالى :
وجاهدهم به جهادا كبيرا يؤثر في بواطنهم فيكون : { كبيرا } يفوق ما يؤثر في الظواهر (و ) إن زعموا أنه كيف يجاهد بالدلائل من يورد شبهات تجاورها ؟ قيل : غاية أمرها أن يكونا كالبحرين المختلفين المتجاورين . وقد رفع الله الالتباس بينهما بعد ما جاور بينهما وهما محسوسان ، فكيف لا يرفع الالتباس بين البحرين المعقولين إذ :
وهو الذي مرج أي : جاور :
البحرين اللذين بينهما غاية الخلاف إذ :
هذا عذب فرات أي : قاطع للعطش وهو مثل بحر الدلائل المفيدة للذوق ، القاطعة عطش الطلب :
وهذا ملح أجاج أي : مبالغ في الملوحة . وهو مثل بحر الشبهات الموجبة للنفرة جدا لأهل الذوق وأما لأهل النظر فقد :
وجعل بينهما برزخا أي : مانعا من الخلط . وهو النظر في مواد المقدمات وصورها ليعلم بذلك صحة الدلائل (و ) أما فساد الشبهات فيعلم بالاعتراضات التي لا جواب عنها ، كما أنه جعل بينهما :
حجرا أي : منعا من وصول أثر أحدهما إلى الآخر :
محجورا أي : ممنوعا أن يمنع . وإن زعموا أن كل فرقة ترى ممسكاته تفيده الذوق وتقطع عنه الطلب ويتنفر عن متمسكات صاحبه أشد من التنفر عن الملح الأجاج ، قيل : ليس هذا بالنظر إلى نفس الدلائل ، بل بواسطة التعصب من جهة الآباء والمشايخ والأصحاب . وقد أوجد الله لإزالة العذر عنه مثالا ، في قوله :