صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى:

[83 - 84] تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون

تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض أي: غلبة وتسلطا بسوء وتكبر: ولا فسادا أي: بظلم وعدوان وصد عن سبيل الله تعالى: والعاقبة أي: النهاية الحميدة: للمتقين أي: الذين يتقون ما لا يرضاه تعالى من الأقوال والأفعال.

قال الزمخشري ، قدس الله روحه: لم يعلق الموعد بترك العلو والفساد. ولكن بترك إرادتهما، وميل القلوب إليهما. كما قال: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فعلق الوعيد بالركون. وعن علي رضي الله عنه : إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه. فيدخل تحتها.

وعن الفضيل أنه قرأها ثم قال: ذهبت الأماني هاهنا. وعن عمر بن عبد العزيز ، أنه كان يرددها حتى قبض. ومن الطماع من يجعل العلو لفرعون، والفساد لقارون، متعلقا بقوله: إن فرعون علا في الأرض ولا تبغ الفساد في الأرض ويقول: من لم يكن [ ص: 4731 ] مثل فرعون وقارون، فله تلك الدار الآخرة. ولا يتدبر قوله: والعاقبة للمتقين كما تدبره علي والفضيل وعمر رضي الله عنهم من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون معناه: فلا يجزون إلا.. إلخ. فوضع فيه الموصول والظاهر، موضع الضمير، لتهجين حالهم بتكرير إسناد السيئة إليهم، والزيادة تبغيض السيئة إلى قلوب السامعين. ومعنى قوله: إلا ما كانوا يعملون أي: مثله. وهذا من فضله العظيم وكرمه الواسع، أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها. ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وسبعمائة. وهو معنى قوله: فله خير منها كذا في الكشاف.

التالي السابق


الخدمات العلمية