القول في تأويل قوله تعالى:
[57 - 61]
كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون تحريض على العبادة وإخلاص الدين بتذكير الموت والرجعى. أو تسلية للمهاجر إلى الله، وتشجيع له، بأن لا يثبطه عن هجرته خوف الموت بسببها. فلا المقام بأرضه يدفعه، ولا هجرته عنه تمنعه. وفيه استعارة بديعة لتشبيه
[ ص: 4761 ] الموت بأمر كريه الطعم، مره:
والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا أي: على مفارقة الأوطان والهجرة لأجل الدين. وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب:
وعلى ربهم يتوكلون ثم أشار تعالى إلى كفالته لمن هاجر إليه، من الفقر والضيعة، بقوله سبحانه:
وكأين أي: وكم:
من دابة لا تحمل رزقها أي: لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حمله:
الله يرزقها وإياكم أي: يقيض لها رزقها على ضعفها، ويرزقكم مع قوتكم واجتهادكم. فهو الميسر والمسهل لكل مخلوق من رزقه ما يصلحه. فلا يختص رزقه ببقعة دون أخرى، بل خيره عام وفضله شامل لخلقه، حيث كانوا وأنى وجدوا. وقد ظهر مصداق كفالته تعالى لأولئك المهاجرين، بما وسع عليهم وبسط لهم من طيب الرزق ورغد العيش وسيادة البلاد في سائر الأمصار. وهذا معنى ما ورد مرفوعا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=886652« سافروا تصحوا وتغنموا» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي :
وهو السميع العليم ولئن سألتهم يعني هؤلاء المشركين الذين يعبدون معه غيره:
من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله أي: اعترافا بأنه المنفرد بخلقها:
فأنى يؤفكون أي: فكيف مع هذا الاعتراف يصرفون عن عبادته وحده، ويشركون به ما لا يضر ولا ينفع. وكثيرا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية. وقد كان المشركون يعرفون بذلك.