القول في تأويل قوله تعالى:
[ 5، 6]
أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم .
أمرا من عندنا نصب على الاختصاص; أي: أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا على مقتضى حكمنا. وهو بيان لفخامته الإضافية، بعد بيان فخامته الذاتية:
إنا كنا مرسلين رحمة من ربك أي: مرسلين إلى الناس رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آيات الله، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، رحمة منه تعالى بهم، لمسيس الحاجة إليه كما قال تعالى:
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وجوز كون (رحمة) علة للإنزال. أي: رحمة تامة كاملة على العالمين بإنزاله، لاستقامة أمورهم الدينية والدنيوية، وصلاح معاشهم ومعادهم، وظهور الخير والكمال والبركة والرشاد فيهم بسببه.
والوجه هو الأول، وهو كونه غاية للإرسال; لإفصاح تلك الآية عنه:
إنه هو السميع أي: لدعوة حقائق الأشياء بمقتضياتها:
العليم أي: بمقادير قابلياتها، فلا يبعد عليه الإرسال والإنزال، قاله
المهايمي .
وقال
القاشاني : أي السميع لأقوالهم المختلفة في الأمور الدينية الصادرة عن أهوائهم، (العليم): أي: بعقائدهم الباطلة، وآرائهم الفاسدة، وأمورهم المختلفة، ومعايشهم غير المنتظمة. فلذلك
رحمهم بإرسال الرسول الهادي إلى الحق في أمر الدين ، الناظم لمصالحهم في أمر الدنيا، المرشد إلى الصواب فيهما، بتوضيح الصراط المستقيم، وتحقيق التوحيد بالبرهان، وتقنين الشرائع وسنن الأحكام لضبط النظام.