القول في تأويل قوله تعالى:
[9]
قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين .
قل ما كنت بدعا من الرسل أي: ما كنت أول رسل الله التي أرسلها إلى خلقه. قد كان من قبلي له رسل كثيرة أرسلت إلى أمم قبلكم، فلم تستنكرون بعثتي، وتستبعدون رسالتي، كقوله:
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و(البدع): كالبديع، بمعنى الجديد المبتدأ. قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : ومن البدع قول
nindex.php?page=showalam&ids=16559عدي بن زيد :
فلا أنا بدع من حوادث تعتري رجالا عرت من بعد بؤسى وأسعد
[ ص: 5342 ] ومن البديع قول
الأحوص :
فخرت فانتمت فقلت: ذريني ليس جهل أتيته ببديع
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قال
أبو السعود : أي: أي شيء يصيبنا فيما يستقبل من الزمان، من أفعاله تعالى، وماذا يقدر لنا من قضاياه. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن رضي الله عنه: ما أدري ما يصير إليه أمري، وأمركم في الدنيا . وقيل: يجوز أن يكون المنفي هو الدراية المفصلة. والأظهر أن (ما) عبارة عما ليس علمه من وظائف النبوة من الحوادث والواقعات الدنيوية، دون ما سيقع في الآخرة، فإن العلم بذلك من وظائف النبوة، وقد ورد به الوحي الناطق بتفاصيل ما يفعل بالجانبين. انتهى.
وهذا الأظهر يقرب من قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن . وهو ما عول عليه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : بل لا يجوز غيره. كيف؟ وهو صلى الله عليه وسلم جازم بأنه صائر إلى الجنة، هو ومن اتبعه بإحسان. وأما في الدنيا، فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره، وأمر مشركي
قريش ، أيؤمنون، أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم. فأما الحديث الذي رواه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
أم العلاء ، وكانت بايعت
[ ص: 5343 ] النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: (
nindex.php?page=hadith&LINKID=707031طار لنا في السكنى، حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين، nindex.php?page=showalam&ids=5559عثمان بن مظعون رضي الله عنه، فاشتكى nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان عندنا، فمرضناه. حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: رحمة الله عليك، أبا السائب ! شهادتي عليك لقد أكرمك الله عز وجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير. والله! ما أدري -وأنا رسول الله- ما يفعل بي! » قالت: فقلت: والله! لا أزكي أحدا بعده أبدا وأحزنني ذلك. فنمت، فرأيت لعثمان رضي الله عنه عينا تجري، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ذاك عمله ») فقد انفرد بإخراجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري دون nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وفي لفظ له: « ما أدري -وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- ما يفعل به » . وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ، بدليل قولها: فأحزنني ذلك. وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعين بالجنة، إلا الذي نص الشارع على تعيينهم، كالعشرة،
وابن سلام ،
والعميصاء، nindex.php?page=showalam&ids=115وبلال ،
وسراقة ،
nindex.php?page=showalam&ids=198وعبد الله بن عمرو بن حرام ، (والد
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر )، والقراء السبعين الذين قتلوا
ببئر معونة ،
nindex.php?page=showalam&ids=138وزيد بن حارثة ،
وجعفر ،
nindex.php?page=showalam&ids=82وابن رواحة ، وما أشبه هؤلاء رضي الله عنهم. انتهى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير .
وقال
المهايمي :
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم أي: فيما لم يوح إلي. والوحي ببعض الأمور لا يستلزم العلم بالباقي. ولم يكن لي أن أضم إلى الوحي كذبا من عندي.
إن أتبع أي: في تقرير الأمور الغيبية: إلا ما يوحى إلي
وما أنا إلا نذير مبين أي: منذر عقاب الله على كفركم به، أبان لكم إنذاره، وأبان لكم دعاءه إلى ما فيه صلاحكم، وسعادتكم.