القول في تأويل قوله تعالى:
[7 - 12]
وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم وكنتم أزواجا أي: أصنافا ثلاثة.
فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة تقسيم وتنويع للأزواج الثلاثة، مع الإشارة الإجمالية إلى أحوالهم قبل تفصيلها. وإطلاق " الميمنة " و " المشأمة " اللتين هما الجهتان المعروفتان على منزلة السعداء الذين هم الأبرار والمصلحون من الناس، وعلى دركة الأشقياء الذين هم الأشرار والمفسدون من الناس، أصله من تيمن
العرب باليمين، وتشاؤمهم بالشمال، كما في السانح والبارح، وقولهم للرفيع: هو مني باليمين، وللوضيع: هو مني بالشمال، تجوزا به، أو كناية به عما ذكر.
وقيل: الميمنة والمشأمة بمعنى اليمين والشؤم، فليس بمعنى الجهة، بل بمعنى البركة وضدها،
[ ص: 5647 ] لما عاد عليهم من أنفسهم وأفعالهم. وفي جملتي الاستفهام إشارة إلى ترقي أحوالهما في الخير والشر، تعجبا منه.
والسابقون السابقون أي: الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة، بعد ظهور الحق، وأوذوا لأجله، وصبروا على ما أصابهم، وكانوا الدعاة إليه.
فإن قيل: لم خولف بين المذكورين في السابقين، وفي أصحاب اليمين، مع أن كل واحد منهما إنما أريد به التعظيم والتهويل لحال المذكورين؟
فنقول: التعظيم المؤدى بقوله:
السابقون أبلغ من قرينه، وذلك أن مؤدى هذا أن أمر السابقين، وعظمة شأنه، مسابق. كاد يخفى. وإنما تحير فهم السامع فيه مشهور. وأما المذكور في قوله:
فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة فإنه تعظيم على السامع بما ليس عنده منه علم سابق، ألا ترى كيف سبق بسط حال السابقين بقوله:
أولئك المقربون فجمع بين اسم الإشارة المشار به إلى معروف، وبين الإخبار عنه بقوله:
" المقربون " معرفا بالألف واللام العهدية؟ وليس مثل هذا مذكورا في بسط حال أصحاب اليمين، فإنه مصدر بقوله:
في سدر مخضود أفاده
الناصر.
و
السابقون الثاني إما خبر، أي: الذين عرفت حالهم واشتهرت أوصافهم على حد: وشعري شعري، أو تأكيد، والخبر قوله:
أولئك المقربون أي: الذين يقربهم الله منه بإعلاء منازلهم
في جنات النعيم