القول في تأويل قوله تعالى:
[15 - 26]
على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينـزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما على سرر موضونة أي: مصفوفة، أو مشبكة بالدر والياقوت أو الذهب. و (الوضن):
[ ص: 5649 ] التشبيك والنسج.
متكئين عليها متقابلين أي: بوجوههم، متساوين في الرتب، لا حجاب بينهم أصلا.
يطوف عليهم أي: للخدمة
ولدان مخلدون أي: مبقون على سن واحدة لا يموتون.
بأكواب وأباريق أي: حال الشرب. والكوب إناء لا عروة ولا خرطوم له، والإبريق: إناء له ذلك.
وكأس من معين أي: خمر جارية.
ثم أشار إلى أنها لذة كلها، لا ألم معها ولا خمار
لا يصدعون عنها أي: لا يصدر عنها صداعهم لأجل الخمار، كخمور الدنيا، والصداع: وجع الرأس. وقرئ بالتشديد من التفعل، أي: لا يتفرقون
ولا ينـزفون بكسر الزاي وفتحها؛ أي: لا تذهب عقولهم بسكرها.
وفاكهة مما يتخيرون أي: يختارون ويرتضون، وأصله أخذ الخيار والخير.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : وهذه الآية دليل على جواز
أكل الفاكهة على صفة التخير لها، ثم استشهد له
nindex.php?page=hadith&LINKID=664141بحديث عكراش لما أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثريد، وأقبل عكراش يخبط بيده في جوانبه فقبض النبي صلى الله عليه وسلم بيده وقال: «يا عكراش! كل من موضع واحد؛ فإنه طعام واحد» . ثم أتي بطبق فيه تمر أو رطب، فجعل عكراش يأكل من بين يديه، وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق فقال: «يا عكراش! كل من حيث شئت؛ فإنه غير لون واحد» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي واستغربه.
ولحم طير مما يشتهون أي: يتمنون
وحور عين أي: وأزواج بيض واسعة الأعين. عطف على " ولدان " أو مبتدأ محذوف الخبر. أي: وفيها. أو ولهم حور. وقرئ بالجر عطف على
بأكواب قال
الشهاب: وحينئذ إما أن يقال:
" يطوف " بمعنى ينعمون مجازا أو كناية. على حد قوله:
وزججن الحواجب والعيونا
[ ص: 5650 ] أو يبقى على حقيقته، وظاهره: وأن الولدان تطوف عليهم بالحور أيضا، لعرض أنواع اللذات عليهم من المأكول والمشروب والمنكوح، كما تأتي الخدام بالسراري للملوك ويعرضونهم عليهم. وإلى هذا ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو وقطرب، وجوز جعله من الجر الجواري. قيل: والفصل يأباه ويضعفه. وأما عطفه على: " جنات " بتقدير مضاف أي: هم في جنات ومصاحبة حور. فقال
أبو حيان : هو فهم أعجمي، فيه بعد وتفكيك للكلام المرتبط، وهو ظاهر. ومن عصبه فقد تعصب.
كأمثال اللؤلؤ المكنون أي: صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي، وأصل
المكنون الذي صين في كن.
جزاء بما كانوا يعملون أي: من الصالحات.
لا يسمعون فيها لغوا أي: هذيانا وكلاما غير مفيد، باطلا من القول.
ولا تأثيما أي: ما يؤثم من الفحش والكذب والغيبة وأمثالها.
إلا قيلا سلاما سلاما قال
القاشاني: أي: قولا هو سلام في نفسه منزه عن النقائص، مبرأ عن الفضول والزوائد، أو قولا يفيد سلامة السامع من العيوب والنقائص، ويوجب سروره وكرامته، ويبين كماله وبهجته، لكون كلامهم كله معارف وحقائق، وتحايا ولطائف، على اختلاف وجهي الإعراب، أي: من كون " سلاما " بدلا من " قيلا " أو مفعوله. والتكرير للدلالة على فشو السلام بينهم وكثرته، لأن المراد: سلاما بعد سلام، كقرأت النحو بابا بابا، فيدل على تكرره وكثرته.