القول في تأويل قوله تعالى:
[31 ]
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين
"وعلم آدم الأسماء كلها" إما بخلق علم ضروري بها فيه، أو إلقاء في روعه .
وآدم : اسم عبراني مشتق من أدمه ، وهي لفظة عبرانية معناها التراب ، لأنه جبل من تراب الأرض . كما أن
حواء كلمة عبرانية معناها "حي" ، وسميت بذلك لأنها تكون أم الأحياء . والمراد بالأسماء ، أسماء كل شيء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ، ودابة ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجبل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها ، وفي التوراة مصداق الآية : وهو أنه تعالى صور من الأرض كل حيوانات البر ، وكل طيور السماء ، وأحضرها إلى
آدم ، لينظر ما يسميها ، وكل ما سماه
آدم من نفس حية ، فهو اسمه . وسمى
آدم جميع الحيوانات بأساميها ، وجميع طيور السماء ، وجميع وحوش الأرض.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : وفي هذه الآيات العبرة لمن اعتبر ، والذكرى لمن ادكر ، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، عما أودع الله عز وجل في هذا القرآن ، من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن ; وذلك أن الله جل ثناؤه ، احتج فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم ، على من كان بين ظهرانيه ، من يهود بني إسرائيل ، بإطلاعه إياه من علوم الغيب ، التي لم يكن تعالى
[ ص: 99 ] أطلع عليها من خلقه إلا خاصا ، ولم يكن مدركا علمه إلا بالأنباء والأخبار ، لتتقرر عندهم صحة نبوته ، ويعلموا أن ما آتاهم به فمن عنده .
قال
الحافظ ابن كثير : وهذا كان بعد سجودهم له ، وإنما قدم هذا الفصل على ذاك ، لمناسبة ما بين هذا المقام ، وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة ، حين سألوا عن ذلك . فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون ، ولهذا ذكر الله هذا المقام ، عقيب هذا ، ليبين لهم شرف
آدم بما فضل عليهم في العلم :
ثم عرضهم على الملائكة أي : عرض أهل الأسماء ، فالضمير للمسميات المدلول عليها ضمنا :
فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء أي التي علمتها
آدم . وإنما استنبأهم ، وقد علم عجزهم عن الإنباء ، تبكيتا لهم ، وإظهارا لعجزهم عن إقامة ما علقوا به رجاءهم من أمر الخلافة ، فإن التصرف والتدبير ، وإقامة المعدلة ، بغير وقوف على مراتب الاستعدادات ، ومقادير الحقوق ، مما لا يكاد يمكن "إن كنتم صادقين" أي : في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة ممن استخلفته ، كما ينبئ عنه مقالكم . والتصديق كما يتطرق إلى الكلام باعتبار منطوقه ، قد يتطرق إليه باعتبار ما يلزمه من الأخبار . فإن أدنى مراتب الاستحقاق ، هو الوقوف على أسماء ما في الأرض ، ولما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم ، وبدت لهم هفوة زلتهم ، أنابوا إلى الله تعالى بالتوبة ، وذلك ما أفاده قوله تعالى :