القول في تأويل قوله تعالى:
[22 - 24]
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ما أصاب من مصيبة في الأرض أي: من قحط وجدب ووباء وغلاء
ولا في أنفسكم [ ص: 5692 ] أي: من خوف ومرض وموت أهل وولد، وذهاب مال
إلا في كتاب من قبل أن نبرأها أي: إلا في علم أزلي من قبل خلق المصيبة أو الأنفس. وما علم الله كونه فلا بد من حصوله
إن ذلك أي: حفظه وتقديره على الأنفس المبروءة ما قدر،
على الله يسير أي: لسعة علمه وإحاطته.
لكيلا تأسوا أي: تحزنوا
على ما فاتكم أي: من عافية ورزق ونحوهما
ولا تفرحوا أي: تبطروا
بما آتاكم أي: من نعم الدنيا. والمعنى: أعلمناكم بأنا قد فرغنا من التقدير، فلا يتصور فيه تقديم ولا تأخير ولا تبديل ولا تغيير، فلا الحزن يدفعه، ولا السرور يجلبه ويجمعه. قال
القاشاني: أي: لتعلموا علما يقينيا أن ليس لكسبكم وحفظكم وحذركم وحراستكم فيما آتاكم، مدخل وتأثير، ولا لعجزكم وإهمالكم وغفلتكم وقلة حيلتكم وعدم احترازكم واحتفاظكم فيما فاتكم مدخل; فلا تحزنوا على فوات خير، ونزول شر، ولا تفرحوا بوصول خير وزوال شر; إذ كلها مقدرة
والله لا يحب كل مختال أي: متبختر من شدة الفرح بما آتاه
فخور أي: به على الناس لعدم يقينه وبعده عن الحق بحب الدنيا واحتجابه بالظلمات عن النور.
الذين يبخلون أي: بالإنفاق في سبيل الله، لشدة محبة المال
ويأمرون الناس بالبخل أي: لاستيلاء الرذيلة عليهم، والموصول إما مبتدأ وخبره محذوف، أي: لهم وعيد شديد، أو خبر ومبتدؤه محذوف، أي: هم الذين، أو بدل من (كل).
ومن يتول أي: يعرض عن ذكر الله وما أمر به
فإن الله هو الغني أي: عنه، لاستغنائه بذاته
الحميد أي: لاستقلاله بكماله، وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق، لا لما يعود عليه تعالى، فإنه الغني المطلق.
[ ص: 5693 ]