[ ص: 5851 ] بسم الله الرحمن الرحيم
66-
سورة التحريم
مدنية، وآيها اثنتا عشرة.
[ ص: 5852 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى:
[1]
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قال
المهايمي: ناداه ليقبل إليه بالكلية، ويدبر عن كل ما سواه من الأزواج وغيرهن. وعبر عنه بالمبهم إشعارا منه بأنه من غاية عظمته، بحيث لا يعلم كنهه. وأتى بلفظ: " النبي " إشعارا بأنه الذي نبئ بأسرار التحليل والتحريم الإلهي. والمراد بتحريمه ما أحل له امتناعه منه، وحظره إياه على نفسه. وهذا المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح، وإنما قيل له:
لم تحرم ما أحل الله لك رفقا به، وشفقة عليه، وتنويها لقدره ولمنصبه صلى الله عليه وسلم، أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه، جريا على ما ألف من لطف الله تعالى بنبيه، ورفعه عن أن يحرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه، ومن أجله خلقوا، ليظهر الله كمال نبوته، بظهور نقصانهم عنه، كما أفاده
الناصر.
تنبيهان:
الأول: للأثريين في هذا الذي حرمه صلوات الله عليه على نفسه روايات:
فروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=654531عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب ابنة جحش ، ويمكث عندها، فتواطأت أنا nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة أن أيتنا دخل عليها [ ص: 5853 ] فلتقل له: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له فقال: «بل شربت عسلا عند nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب ابنة جحش ، فلن أعود له، وقد حلفت! لا تخبري بذلك أحدا» ، فنزلت الآية.
وروى الشيخان أيضا
nindex.php?page=hadith&LINKID=659703عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء والعسل، وكان إذا صلى العصر دار على نسائه، فيدنو من كل واحدة منهن، فدخل على nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر ، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت إليها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: والله لنحتالن له! فذكرت ذلك nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة ، وقلت لها: إذا دخل عليك، ودنا منك، فقولي له: يا رسول الله! أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا! فقولي له: وما هذه الريح؟ و: «كان صلى الله عليه وسلم يكره أن يوجد منه الريح الكريه» ! فإنه سيقول لك: سقتني nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة شربة عسل، فقولي له: أكلت نحله العرفط، حتى صار فيه -أي: في العسل- ذلك الريح الكريه، وإذا دخل علي فسأقول له ذلك، وقولي أنت يا nindex.php?page=showalam&ids=199صفية ذلك. فلما دخل على nindex.php?page=showalam&ids=93سودة ، قالت له مثل ما علمتها nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وأجابها بما تقدم. فلما دخل على nindex.php?page=showalam&ids=199صفية ، قالت له مثل ذلك، فلما دخل على nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت له مثل ذلك; فلما كان اليوم الآخر ودخل على nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة قالت له: يا رسول الله! ألا أسقيك منه؟ قال: «لا حاجة لي به» . قالت: إن nindex.php?page=showalam&ids=93سودة تقول: سبحان الله! لقد حرمناه منه، فقلت لها: اسكتي.
و (المغافير) صمغ حلو له رائحة كريهة ينضحه شجر يقال له: العرفط بضم العين المهملة والفاء.
وفي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، وفي سابقتها أنها
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب . والاشتباه في الاسم لا يضر، بعد ثبوت أصل القصة.
[ ص: 5854 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال:
كانت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة متحابتين، وكانتا زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم، فذهبت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة إلى أبيها، فتحدثت عنده، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته، فظلت معه في بيت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، وكان اليوم الذي يأتي فيه nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، فرجعت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، فوجدتها في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيرة شديدة، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته، ودخلت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، فقالت: قد رأيت من كان عندك، والله لقد سؤتني! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله لأرضينك، فإني مسر إليك سرا فاحفظيه» ! قالت: ما هو؟ قال: «إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام، رضا لك» - وكانت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة تظاهران على نساء النبي صلى الله عليه وسلم- فانطلقت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة فأسرت إليها أن أبشري؛ إن النبي صلى وسلم قد حرم عليه فتاته. فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وسلم، أظهر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآيات.
وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك قال:
كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتاة يغشاها، فبصرت به nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، وكان اليوم يوم nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وكانتا متظاهرتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتمي علي، ولا تذكري nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ما رأيت» ، فذكرت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ، فغضبت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، فلم تزل بنبي الله صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها أبدا، فأنزل الله هذه الآية، وأمره أن يكفر يمينه ويأتي جاريته.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة حتى حرمها، فأنزل الله هذه الآية.
ولم يرجح
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير أحد السببين المرويين في نزولها على الآخر، بل وقف على إجمال الآية، على عادته في أمثالها، ولذا قال: الصواب أن يقال: كان الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 5855 ] على نفسه شيئا كان الله قد أحله له، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته، وجائز أن يكون شرابا من الأشربة، وجائز أن يكون غير ذلك، غير أنه، أي ذلك كان، فإنه كان تحريم شيء كان له حلالا، فعاتبه الله على تحريمه على نفسه كما كان له قد أحله، وبين له تحلة يمينه. انتهى.
والذي يظهر لي هو ترجيح روايات تحريم الجارية في سبب نزولها، وذلك لوجوه:
منها: أن مثله يبتغي به مرضاة الضرات، ويهتم به لهن.
ومنها: أن روايات شرب العسل لا تدل على أنه حرمه ابتغاء مرضاتهن، بل فيه أنه حلف لا يشربه أنفة من ريحه، ثم رغب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن لا تحدث صاحبته به شفقة عليها، إلا أن يكن عاتبنه في ذلك، ولم يحتمل لطف مزاجه الكريم ذلك، فحرمه.
ولكن ليس في الرواية ما يشعر به. وما زاد على ذلك فمن اجتهاد الرواة.
ومنها: أن الاهتمام بإنزال سورة على حدة، لتقريع أزواجه صلى الله عليه وسلم وتأديبهن في المظاهرة عليه، وإيعادهن على الإصرار على ذلك، بالاستدلال بهن، وإعلامهن برفعة مقامه، وأن ظهراءه مولاه
وجبريل والملائكة والمؤمنون، كل ذلك يدل على أن أمرا عظيما دفعهن إلى تحريمه ما حرم وما هو إلا الغيرة من مثل ما روي في شأن الجارية؛ فإن الأزواج يحرصن أشد الحرص على ما يقطع وصلة الضرة الضعيفة ويبترها من عضو الزوجية. هذا ما ظهر لي الآن.
وأما تخريج رواية العسل في هذه الآية، وقول بعض السلف نزلت فيه، فالمراد منه أن الآية تشمل قصته بعمومها، على ما عرف من عادة السلف في قولهم: نزلت في كذا، كما نبهنا عليه مرارا. وكأنه عليه السلام كان حرم ذلك الشراب، ثم أخبر الرواة بأن مثله فرضت فيه التحلة، فلا مانع من العود إلى شربه، والله أعلم.
الثاني: في "الإكليل": استدل بها على أن من
حرم على نفسه أمة أو طعاما أو زوجة، لم تحرم عليه، وتلزمه كفارة يمين.
[ ص: 5856 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: في الحرام يكفر; لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير إلى أنه كان مع التحريم يمين، ورد كون التحريم بمجرده يمينا، وفيه نظر؛ لأن اليمين في عرفهم أعم من القسم بالله، كما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير وغيرهم.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : إن النبي صلى الله علبيه وسلم حرمها، يعني جاريته، فكانت يمينا -رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير - وسيأتي ما يؤيده. وقوله تعالى: