القول في تأويل قوله تعالى:
[38 - 43]
فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنـزيل من رب العالمين فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون أي: بالمشاهدات والمغيبات. وهذا القسم -كما قال
الرازي- يعم جميع الأشياء على الشمول؛ لأنها لا تخرج من قسمين: مبصر وغير مبصر، فشمل الخالق والخلق، والدنيا والآخرة، والعالم العلوي والسفلي، وهكذا. وتقدم في الواقعة الكلام على كلمة: (لا أقسم)، فتذكر.
إنه أي: القرآن
لقول رسول كريم وهو
محمد صلى الله عليه وسلم، يبلغه عن الله تعالى؛ لأن الرسول لا يبلغ عن نفسه.
وما هو بقول شاعر أي: كما تزعمون؛ فإن بين أسلوبه وحقائقه، وبين وزن الشعلة وخيالاته، بعد المشرقين.
قليلا ما تؤمنون تصدقون بما ظهر صدقه وبرهانه، عنادا وعتوا. والقلة كناية عن النفي والعدم. ونصب " قليلا " على أنه نعت لمصدر، أو زمان مقدر، أي: إيمانا وزمانا. والناصب " تؤمنون " أو " تذكرون " و " ما " زائدة، هذا ما قاله ابن عادل، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13365ابن عطية : يحتمل أن تكون نافية ومصدرية.
ولا بقول كاهن أي: كما تدعون أخرى بأنه من سجع الكهان
[ ص: 5920 ] قليلا ما تذكرون أي: تتعظون وتعتبرون. قيل: نفى الإيمان في الأول، والذكرى في الثاني; لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر بين، لا ينكره إلا معاند. فلا عذر لقائله في ترك الإيمان، وهو أكفر من حمار. وأما مباينته للكهانة، فيتوقف على تذكر ما; لأن الكاهن يأخذ جعلا، ويجيب عما سئل عنه ويتكلف السجع، ويكذب كثيرا، وإن التبس على الحمقى لإخباره عن بعض المغيبات بكلام منثور، فتأمل.
تنـزيل أي: هو تنزيل
من رب العالمين أي: ممن رباهم بصنوف نعمه، ومنها ما نزله وأوحاه ليهتدوا به إلى سبل السعادة، ومناهج الفلاح.