القول في تأويل قوله تعالى :
[ 113 ]
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ليسوا سواء جملة مستأنفة سيقت تمهيدا للثناء على من أقبل على الحق من أهل الكتاب ، وخلع الباطل ولم يراع سلفا ولا خلفا ، وتذكيرا لقوله تعالى :
منهم المؤمنون أي : ليس أهل الكتاب متساوين ومتشاركين في المساوئ ، ثم استأنف قوله بيانا لعدم استوائهم :
[ ص: 941 ] من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون
في قوله تعالى :
قائمة وجوه :
الأول : أنها قائمة في الصلاة ، وعبر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل كقوله تعالى :
والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما وقوله :
إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل وقوله :
قم الليل وقوله :
وقوموا لله قانتين
والثاني : أنها ثابتة على التمسك بالدين الحق ، ملازمة له ، غير مضطربة في التمسك به ، كقوله :
إلا ما دمت عليه قائما أي : ملازما للاقتضاء ، ثابتا على المطالبة . ومنه
[ ص: 942 ] قوله تعالى :
قائما بالقسط
الثالث : أنها مستقيمة عادلة من قولك : أقمت العود فقام ، بمعنى استقام ، والآناء : الأوقات ، واحدها ( إنا ) مثل ( معى ) و ( أمعاء ) و ( إنى ) مثل ( نحى ) و ( أنحاء ) وقوله تعالى :
وهم يسجدون جملة مستقلة مستأنفة ، وليست حالا من فاعل :
يتلون لما صح في السـنة من النهي عن
التلاوة في السجود ، وذلك فيما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657746« إلا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم » . فمعنى الآية أنهم يقومون تارة ويسجدون أخرى ، يبتغون الفضل والرحمة كقوله تعالى :
والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما وقوله :
أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ويحتمل أن يكون المعنى : وهم يصلون ، والصلاة تسمى سجودا وسجدة كما تسمى ركوعا وركعة وتسبيحا وتسبيحة . وعليه فالجملة يجوز فيها الوجهان ، وتكرير الإسناد لتقوية الحكم وتأكيده . ثم وصفهم تعالى بصفات أخر ، مبينة لمباينتهم اليهود من جهة أخرى ، بقوله :