[ ص: 6215 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[ 15 - 19 ]
كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب كلا ردع عن النهي عن الصلاة
لئن لم ينته أي: عن هذا الطغيان، وعن النهي عن الصلاة، وعن التكذيب والتولي
لنسفعا بالناصية أي: لنأخذن بناصيته، ولنسحبنه بها إلى النار. والسفع: القبض على الشيء وجذبه بشدة. والأخذ بالناصية هنا مثل في القهر والإذلال والتعذيب والنكال.
وقوله تعالى:
ناصية كاذبة خاطئة بدل من (الناصية)، ولم يقتصر على إحدى الجملتين، لأن ذكر الأولى للتنصيص على أنها ناصية الناهي والثانية لتوصف بما يدل على علة السفع وشموله لكل من وجد فيه ذلك. ووصفها بالكذب والخطأ، وهما لصاحبها، على الإسناد المجازي، للمبالغة لأنها تدل على وصفه بالكذب بطريق الأولى، ولأنه لشدة كذبه كان كل جزء من أجزائه يكذب. وكذا حال الخطأ، وهو كقوله:
وتصف ألسنتهم الكذب و: (وجهها يصف الجمال)، والتجوز بإسناد ما للكل إلى الجزء، كما يسند إلى الجزئي في قوله: (بنو فلان قتلوا قتيلا)، والقاتل أحدهم.
لطيفة:
قال في (البحر): كتبت نون "لنسفعا" بالألف باعتبار الموقف عليها بإبدالها ألفا. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14529السمين: الوقف على هذه النون بالألف تشبيها لها بالتنوين، وتكتب هنا ألفا اتباعا للوقف
[ ص: 6216 ] لأن قاعدة الرسم مبنية على حال الوقف والابتداء.
فليدع ناديه أي: أهل مجلسه، ليمنع المصلين ويؤذي أهل الحق الصادقين، اتكالا على قوتهم وغفلة عن قهر الحق وسخطه. والجملة إما بتقدير مضاف، أو على الإسناد المجازي من إطلاق اسم المحل على من حل فيه. والنادي المجلس الذي ينتدي فيه القوم، أي: يجتمعون.
سندع الزبانية أي:
زبانية العذاب من جنوده تعالى فيهلكونه في الدنيا، أو يردونه في النار في الآخرة وهو صاغر. ولم يرسم "سندع" بالواو في المصاحف باتباع الرسم للفظ، أو لمشاكلة قوله "فليدع" وقيل: إنه مجزوم في جواب الأمر، وفيه نظر.
كلا ردع للناهي بعد ردع، وزجر إثر زجر
لا تطعه أي: لا تطع ذاك الطاغي إذا نهاك عن عبادة ربك. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أي: اثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله
فلا تطع المكذبين واسجد واقترب أي: صل لربك وتقرب منه بالعبادة وتحبب إليه بالطاعة. وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=657752« أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. فأكثروا من الدعاء » .
تنبيهات:
الأول: قدمنا أن الآيات نزلت في
أبي جهل، على ما صح في الأخبار، قال
الإمام: ولا مانع من أن يكون في الآيات إشارة إليه، ولكنها عامة في كل وقت وزمن كما ترى. والخطاب فيها موجه إلى من يخاطب لا إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
الثاني: قال
الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): إنما شدد الأمر -أمر الوعيد- في حق
أبي جهل ولم يقع مثل ذلك
لعقبة بن أبي معيط، حيث طرح سلى الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي -لأنهما وإن اشتركا في مطلق الأذية حال صلاته لكن زاد
أبو جهل بالتهديد وبدعوة أهل طاعته، وبوطء العنق الشريف. وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل
[ ص: 6217 ] العقوبة له، لو فعل ذلك. وقد عوقب عقبه بدعائه صلى الله عليه وسلم وعلى من شاركه في فعله، فقتلوا يوم
بدر، كأبي جهل.
الثالث: قال
الإمام: ذكر الصلاة في الصورة لا يدل على أن بقيتها نزل بعد فرض الصلاة، فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلاة قبل أن تفرض الصلوات الخمس المعروفة.
الرابع: قال في (اللباب): سجدة هذه السورة من عزائم
سجود التلاوة عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . فيسن للقارئ والمستمع أن يسجد عند قراءتها. يدل عليه ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662893« سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقرأ باسم ربك الذي خلق و إذا السماء انشقت » أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه.