[ ص: 6272 ] بسم الله الرحمن الرحيم
107- سورة الماعون
مدنية، وآيها سبع.
[ ص: 6273 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى:
[ 1 - 7 ]
أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون أرأيت الذي يكذب بالدين أي: بثواب الله وعقابه، فلا يطيعه في أمره ونهيه، قال
أبو السعود: استفهام أريد به تشويق السامع إلى معرفة من سيق له الكلام والتعجيب منه. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لكل عاقل. والرؤية بمعنى العلم.
والفاء في قوله تعالى:
فذلك الذي يدع اليتيم جواب شرط محذوف، على أن (ذلك) مبتدأ والموصول خبره، والمعنى: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء أو بالإسلام، أن لم تعرفه أو إن أردت أن تعرفه فهو الذي يدفع اليتيم دفعا عنيفا ويزجره زجرا قبيحا. يقال: دفعت فلانا عن حقه: دفعت عنه وظلمته.
ولا يحض على طعام المسكين أي: لا يحث غيره من ذوي اليسار على
إطعام المحتاج وسد خلته، بل يبخل بسعيه عند الأغنياء لإغاثة البؤساء.
قال
الشهاب: إن كان الطعام بمعنى الإطعام -كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب- فهو ظاهر، وإلا ففيه مضاف مقدر، أي: بذل طعام المسكين. واختياره على الإطعام للإشعار بأنه كأنه مالك لما يعطى له
[ ص: 6274 ] كما في قوله:
في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم فهو بيان لشدة الاستحقاق. وفيه إشارة للنهي عن الامتنان.
قال
أبو السعود: وإذا كان حال من ترك حث غيره على ما يذكر، فما ظنك بحال من ترك ذلك مع القدرة؟
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف، يعني أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد، لخشي الله تعالى وعقابه، ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه علم أنه مكذب، فما أشده من كلام! وما أخوفه من مقام! وما أبلغه في التحذير من المعصية وإنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين.
وقوله تعالى:
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : أي: لاهون يتغافلون عنها وذلك باللهو عنها والتشاغل بغيرها، وتضييعها أحيانا وتضييع وقتها أخرى. وقال
القاشاني: أي: فويل لهم، أي: للموصوفين بهذه الصفات، من دع اليتيم وعدم الحث على
طعام المسكين الذي إن صلوا غفلوا عن صلاتهم لاحتجابهم عن حقيقتها بجهلهم وعدم حضورهم. و (المصلين) من باب وضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بأن أشرف أفعالهم وصور حسناتهم سيئات وذنوب، لعدم ما هي به معتبرة من الحضور والإخلاص، وأورد على صيغة الجمع لأن المراد بالذي يكذب هو الجنس.
الذين هم يراءون أي: يراؤون الناس بصلاتهم إذا صلوا لأنهم لا يصلون رغبة في ثواب، ولا رهبة من عقاب، وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنوهم منهم فيكفوا عنهم. وأصل المراءاة أن ترى غيرك ويراك، أريد به العمل عند الناس ليثنوا عليهم، أوضحه
الشهاب. ويمنعون الماعون أي: ما يعان به الخلق ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة وكل ما ينتفع به، لكون الجهل حاكما عليهم بالاستئثار بالمنافع وحرمانهم عن النظر التوحيدي
[ ص: 6275 ] وعدم اعتقادهم بالجزاء; فلا محبة لهم للحق للركون إلى العالم الفاني، ولا عدالة في أنفسهم للاتصاف بالرذائل والبعد عن الفضائل، فلا يعاونون أحدا فلن يفلحوا أبدا، قاله
القاشاني.
تنبيه:
المعني بهذه الآيات أولا وبالذات المنافقون في عهد النبوة، ويدخل فيها ثانيا وبالعرض كل من وجد فيهم تلك
الخلال الذميمة اعتبارا بالعموم; فالسورة مدنية ونظيرها في المنافقين قوله تعالى:
وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ولذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فيما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : هم المنافقون كانوا
يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا، ويمنعونهم العارية بغضا لهم، وهو الماعون.