القول في تأويل قوله تعالى :
[ 155 ]
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم إن الذين تولوا منكم أي : عن القتال ومقارعة الأبطال :
يوم التقى الجمعان أي : جمع المسلمين وجمع المشركين :
إنما استزلهم الشيطان أي : حملهم على الزلل بمكر منه . مع وعد الله بالنصر :
ببعض ما كسبوا أي : بشؤم بعض ما اكتسبوه من الذنوب ، كترك المركز ، والميل إلى الغنيمة ، مع النهي عنه ، فمنعوا التأييد وقوة القلب . قال
ابن القيم : كانت أعمالهم جندا عليهم ازداد بها عدوهم قوة . فإن الأعمال جند للعبد ، وجند عليه ، ولا بد للعبد في كل وقت من سرية من نفسه تهزمه أو تنصره . فهو يمد عدوه بأعماله من حيث يظن أنه يقاتل بها ، ويبعث إليه سرية تغزوه مع عدوه من حيث يظن أنه يغزو عدوه . فأعمال العبد تسوقه قسرا إلى مقتضاه من الخير والشر . والعبد لا يشعر ، أو يشعر ويتعامى . ففرار الإنسان من عدوه ، وهو يطيقه ، إنما هو بجند من عمله ، بعثه له الشيطان واستزله به ، ثم أخبر سبحانه أنه عفا عنهم بقوله :
ولقد عفا الله عنهم أي : بالاعتذار والندم لأن هذا الفرار لم يكن عن نفاق ، ولا شك أنه كان عارضا عفا الله عنه ، فعادت شجاعة الإيمان وثباته إلى مركزها ونصابها :
إن الله غفور حليم أي : يغفر الذنب ويحلم عن خلقه ، ويتجاوز عنهم .
[ ص: 1014 ]