تنبيهات:
الأول: ذهب بعض السلف إلى أن قيد الدخول في قوله تعالى:
اللاتي دخلتم بهن راجع إلى الأمهات والربائب، فقال: لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها، لقوله:
فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - في
رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها: أيتزوج بأمها ؟ قال: هي بمنزلة الربيبة.
وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت، nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير nindex.php?page=showalam&ids=11، وابن عباس ، وذهب إليه من الشافعية
أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصابوني، فيما نقله
nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي عن
العبادي ، وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود مثله، ثم رجع عنه، وتوقف فيه
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية، وذلك فيما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر، عن
بكر بن كنانة أن أباه أنكحه امرأة
بالطائف ، قال: فلم أجامعها حتى توفي عمي عن أمها، وأمها ذات مال كثير، فقال أبي: هل لك في أمها؟
[ ص: 1178 ] قال فسألت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأخبرته، فقال: انكح أمها، قال: وسألت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فقال: لا تنكحها، فأخبرت أبي بما قالا، فكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، فأخبره بما قالا، فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية: إني لا أحل ما حرم الله، ولا أحرم ما أحل الله، وأنت وذاك، والنساء سواها كثير، فلم ينه ولم يأذن لي، فانصرف أبي عن أمها فلم ينكحنيها.
وذهب الجمهور إلى أن
الأم تحرم بالعقد على البنت ولا تحرم البنت إلا بالدخول بالأم، قالوا: الاشتراط إنما هو في أمهات الربائب.
وروي في ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده
nindex.php?page=hadith&LINKID=663406أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما رجل نكح امرأة فلا يحل له نكاح ابنتها، وإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها، وأيما رجل نكح امرأة فلا يحل له أن ينكح أمها، دخل بها أو لم يدخل بها أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
قال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : هذا الخبر غريب، وفي إسناده نظر.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : قد جعل بعض العلماء:
اللاتي دخلتم بهن وصفا للنساء المتقدمة والمتأخرة، وليس كذلك؛ لأن الوصف الواحد لا يقع على موصوفين مختلفي العامل، وهذا؛ لأن النساء الأولى مجرورة بالإضافة، والثانية بـ(من) ولا يجوز أن تقول: مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون (الظريفات) نعتا لهؤلاء النساء ولهؤلاء النساء.
[ ص: 1179 ] قال
الناصر في: "الانتصاف": والقول المشهور عن الجمهور إبهام تحريم أم المرأة، وتقييد تحريم الربيبة بدخول الأم، كما هو ظاهر الآية، ولهذا الفرق سر وحكمة، وذلك لأن المتزوج بابنة المرأة لا يخلو بعد العقد وقبل الدخول من محاورة بينه وبين أمها، ومخاطبات ومسارات فكانت الحاجة داعية إلى تنجيز التحريم ليقطع شوقه من الأم فيعاملها معاملة ذوات المحارم، ولا كذلك العاقد على الأم فإنه بعيد عن مخاطبة بنتها قبل الدخول بالأم، فلم تدع الحاجة إلى تعجيل نشر الحرمة، وأما إذا وقع الدخول بالأم فقد وجدت مظنة خلطة الربيبة، فحينئذ تدعو الحاجة إلى نشر الحرمة بينهما، والله أعلم.
الثاني: استدل بقوله تعالى:
اللاتي في حجوركم من لم يحرم نكاح الربيبة الكبيرة والتي لم يربها، روى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16870مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي، فوجدت عليها، فلقيني
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال: ما لك؟ فقلت: توفيت المرأة، فقال: لها ابنة؟ قلت: نعم، وهي
بالطائف، قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا، هي
بالطائف ، قال: فانكحها، قلت: فأين قول الله:
وربائبكم اللاتي في حجوركم قال: إنها لم تكن في حجرك، إنما ذلك إذا كانت في حجرك؟
قال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : إسناده قوي ثابت إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب، على شرط
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، وإلى هذا ذهب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود بن علي الظاهري وأصحابه، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14345أبو القاسم الرافعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله تعالى، واختاره
ابن حزم.
والجمهور على تحريم الربيبة مطلقا، سواء كانت في حجر الرجل أم لم تكن، قالوا: والخطاب في قوله:
اللاتي في حجوركم خرج مخرج الغالب، فإن شأنهن الغالب المعتاد أن يكن في حضانة أمهاتهن تحت حماية أزواجهن، ولم يرد كونهن كذلك بالفعل.
وفائدة وصفهن بذلك تقوية علة الحرمة وتكميلها، كما أنها النكتة في إيرادهن باسم الربائب دون بنات النساء، فإن كونهن بصدد احتضانهم لهن، وفي شرف التقلب في حجورهم، وتحت حمايتهم وتربيتهم، مما يقوي الملابسة والشبه بينهن وبين أولادهم،
[ ص: 1180 ] ويستدعي إجراءهن مجرى بناتهم، لا تقييد الحرمة بكونهن في حجورهم بالفعل، كذا قرره
أبو السعود .
وفي "الانتصاف": إن فائدة وصفهن بذلك، هو تخصيص أعلى صور المنهي عنه بالنهي، فإن
النهي عن نكاح الربيبة المدخول بأمها عام، في جميع الصور، سواء كانت في حجر الزوج أو بائنة عنه في البلاد القاصية، ولكن نكاحه لها وهي في حجره أقبح الصور، والطبع عنها أنفر، فخصت بالنهي لتساعد الجبلة على الانقياد لأحكام الملة، ثم يكون ذلك تدريبا وتدريجا إلى استقباح المحرم في جميع صوره، والله أعلم.
وفي الصحيحين
nindex.php?page=hadith&LINKID=654711أن nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله! انكح أختي بنت nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان (وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم: عزة بنت أبي سفيان ) فقال: أوتحبين ذلك؟ قالت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن ذلك لا يحل لي قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: بنت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة؟ قلت: نعم، فقال: لو أنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن (وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري : لو لم أتزوج nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ما حلت لي) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة، وحكم بالتحريم بذلك.
الثالث: اشتهر أن المراد من الدخول في قوله تعالى:
دخلتم بهن معناه الكنائي وهو الجماع؛ لأنه أسلوب الكتاب العزيز في نظائره؛ بلاغة وأدبا.
ولذا فسره به
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغير
[ ص: 1181 ] واحد، فمدلول الآية صريح حينئذ في كون الحرمة مشروطة بالجماع، فلا تتناول غيره من اللمس والتقبيل والنظر لمتاعها، ومن أثبت تحريم الربيبة بذلك لحظ أن معنى الدخول أوسع من الجماع؛ لأنه يقال: دخل بها إذا أمسكها وأدخلها البيت.
وفي "فتح البيان": الذي ينبغي التعويل عليه في مثل هذا الخلاف هو النظر في معنى الدخول شرعا أو لغة، فإن كان خاصا بالجماع فلا وجه لإلحاق غيره به، من لمس أو نظر أو غيرهما، وإن كان معناه أوسع من الجماع بحيث يصدق على ما حصل فيه نوع استمتاع كان مناط التحريم هو ذلك. انتهى.
وفي "شرح القاموس
للزبيدي ": ودخل بامرأته كناية عن الجماع، وغلب استعماله في الوطء الحلال، والمرأة مدخول بها، قلت: ومنه الدخلة، لليلة الزفاف. انتهى.
وحلائل أبنائكم أي: موطوآت فروعكم بنكاح أو ملك يمين، جمع حليلة، سميت بذلك لحلها للزوج.
وقوله تعالى:
الذين من أصلابكم لإخراج الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية، كما قال تعالى:
فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم [الأحزاب: من الآية 37] وقال تعالى:
وما جعل أدعياءكم أبناءكم [الأحزاب: من الآية 4].
فالسر في التقيد هو إحلال حليلة المتبنى؛ ردا لمزاعم الجاهلية، لا إحلال حليلة الابن من الرضاع وأبناء الأبناء، كأنه قيل: بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم.
[ ص: 1182 ] وأن تجمعوا بين الأختين في حيز الرفع عطفا على ما قبله من المحرمات، أي: وحرم عليكم
الجمع بين الأختين في الوطء بنكاح أو ملك يمين من نسب أو رضاع، لما فيه من قطيعة الرحم
إلا ما قد سلف في الجاهلية فإنه معفو عنه
إن الله كان غفورا رحيما تعليل لما أفاده الاستثناء.