القول في تأويل قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [59]
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ ص: 1341 ] اعلم
أنه تعالى لما أمر الرعاة والولاة بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل أمر الرعية من الجيوش وغيرهم بطاعة أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك، إلا أن يأمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال
الرازي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري بسند صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : إن أولي الأمر هم الأمراء.
واحتج له
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأن
قريشا ومن يليها من
العرب كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير، فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر، والانقياد له إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولاهم البلاد فلا يخرجوا عليهم ولا يمتنعوا عليهم؛ لئلا تفترق الكلمة، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=103997من أطاع أميري فقد أطاعني متفق عليه.
وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=683803عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حديث حسن غريب، ولا نعرفه إلا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج .
[ ص: 1342 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أنها نزلت في قصة جرت nindex.php?page=showalam&ids=56لعمار بن ياسر مع nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد، وكان nindex.php?page=showalam&ids=22خالد أميرا، فأجاز nindex.php?page=showalam&ids=56عمار رجلا بغير أمره، فتخاصما وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأجاز أمان nindex.php?page=showalam&ids=56عمار ونهاه أن يجبر الثانية على أمير.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : وهكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم ، من طريق عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي مرسلا، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13508ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي، عن
أبي صالح، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فذكره بنحوه، اهـ.
ولا تنافي بين الروايتين لما أسلفناه في مقدمة التفسير في بحث سبب النزول، فتذكر.
[ ص: 1343 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : المراد بأولي الأمر منكم أمراء الحق؛ لأن أمراء الجور الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهي عن أضدادهما، كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان، وكان الخلفاء يقولون: أطيعوني ما عدلت فيكم فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم.
وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656612إنما الطاعة في المعروف .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=848308لا طاعة في معصية الله .
لطيفة:
قال الحافظ
ابن حجر في "الفتح": النكتة في إعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر - مع أن المطاع في الحقيقة هو الله تعالى - كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف هما القرآن والسنة، فكان التقدير: وأطيعوا الله فيما قضى عليكم في القرآن، وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن وما ينصه عليكم من السنة، والمعنى: أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبد بتلاوته، وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن.
[ ص: 1344 ] ومن بديع الجواب قول بعض التابعين لبعض الأمراء من بني أمية - لما قال له: أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله:
وأولي الأمر منكم ؟ - فقال له: أليس قد نزعت عنكم - يعني الطاعة - إذا خالفتم الحق بقوله:
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله ؟!
قال
الطيبي: أعاد الفعل في قوله:
وأطيعوا الرسول إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته، ثم بين ذلك بقوله:
فإن تنازعتم في شيء كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعونهم وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. انتهى. (ج13 ص99).