[ ص: 1362 ] تنبيهات:
الأول: روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652187خاصم nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير رجلا في شراج الحرة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصاري: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك .
واستوعى النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=15للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير: فما أحسب هذا الآيات إلا نزلت في ذلك:
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : هكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في (كتاب التفسير) في "صحيحه" من حديث
[ ص: 1363 ] nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر ، وفي كتاب (المساقاة) من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=17124ومعمر أيضا، وفي كتاب (الصلح) من حديث
شعيب بن أبي حمزة، ثلاثتهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة فذكره، وصورته الإرسال وهو متصل في المعنى، وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من هذا الوجه فصرح بالإرسال فقال: حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11931أبو اليمان، أخبرنا
شعيب، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير nindex.php?page=hadith&LINKID=682190أن nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير كان يحدث أنه كان يخاصم رجلا من الأنصار - قد شهد بدرا - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة، كان يستقيان بها كلاهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=15للزبير : اسق، ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للزبير: اسق يا زبير، ثم احبس الماء، حتى يرجع إلى الجدر .
فاستوعى النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=15للزبير حقه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أشار على
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوعى النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=15للزبير حقه في صريح الحكم.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة: فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير : والله! ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك:
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ ص: 1364 ] (هكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وهو منقطع بين
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة وبين أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير فإنه لم يسمع منه، والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه
عبد الله ، فإن
أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رواه كذلك في "تفسيره".
فقال: حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب، أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ويونس، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب، أن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير حدثه أن
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير حدثه عن
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام، أنه خاصم رجلا.... الحديث).
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : وهكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب به، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والجماعة كلهم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث به، وجعله أصحاب الأطراف في مسند
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير، وهكذا ساقه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسند
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير، والله أعلم.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في هذه الآية قال:
نزلت في nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=195وحاطب بن أبي بلتعة، اختصما في ماء، فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسقى الأعلى ثم الأسفل.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : هذا مرسل، ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري. انتهى.
قال الحافظ
ابن حجر في "فتح الباري": وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي وشيخه
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي والمهدوي أنه
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة، وتعقب بأن
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطبا - وإن كان بدريا - لكنه من المهاجرين.
لكن مستند ذلك ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15995سعيد بن عبد العزيز، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في قوله تعالى:
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية، قال: نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=195وحاطب بن أبي بلتعة، اختصما في ماء.... الحديث.
وإسناده قوي مع إرساله، فإن كان
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب سمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير فيكون موصولا، وعلى هذا فيؤول قوله (من الأنصار) على إرادة المعنى الأعم، كما وقع ذلك في حق غير واحد
nindex.php?page=showalam&ids=196كعبد الله بن حذافة.
وأما قول
الكرماني بأن
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطبا كان حليفا للأنصار - ففيه نظر.
[ ص: 1365 ] وأما قوله (من بني أمية بن زيد) فلعله كان مسكنه هناك،
كعمر، ثم قال: ويترشح بأن
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطبا كان حليفا لآل
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام من
بني أسد ، وكأنه كان مجاورا
nindex.php?page=showalam&ids=15للزبير ، والله أعلم. (ج5 ص25 و27)
أقول: وقع في التفسير المنسوب
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس ههنا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة وتلقيبه بالمنافق وإدراجه تحت قوله تعالى:
رأيت المنافقين وفي صحة هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس نظر، وكيف؟ وقد كان - رضي الله عنه - من البدريين، وقد انتفى النفاق عمن شهدها.
قال
التوربشتي: يحتمل أنه أصدر ذلك منه بادرة النفس، كما وقع لغيره ممن صحت توبته، إذ لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصرة التي هي المدح ولو شاركهم في النسب، قال: بل هي زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة. انتهى.
ولما
nindex.php?page=hadith&LINKID=652785هم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - بضرب عنقه في قصة الظعينة، قال nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب: لا تعجل علي [ ص: 1366 ] يا رسول الله! والله إني لمؤمن بالله ورسوله، وما ارتددت ولا بدلت، فأقره صلى الله عليه وسلم، وكف nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عنه، وقال - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر؟ لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فذرفت عينا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر .... الحديث.
ولله در أصحاب الصحاح حيث أبهموا في قصة
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير اسم خصمه سترا عليه كيلا يغض من مقامه، وهكذا ليكن الأدب، وكفانا أصلا عظيما في هذا الباب إبهام التنزيل الجليل في كثير من قصصه الكريمة، فهو ينبوع المعارف والآداب على مرور السنين والأحقاب، هذا كله على الجزم بأنها نزلت في قصة
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير وخصمه.
وقال الحافظ
ابن حجر في "الفتح": والراجح رواية الأكثر، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير كان لا يجزم بذلك، ثم قال الحافظ
ابن حجر: وجزم
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي بأن الآية إنما نزلت فيمن نزلت فيه الآية التي قبلها وهي قوله تعالى:
ألم تر إلخ.
فروى
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه في "تفسيره" بإسناد صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، قال:
كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم؛ لأنه علم أنهم يأخذونها، فأنزل الله هذه الآيات إلى.... ويسلموا تسليما
وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، نحوه.
[ ص: 1367 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري بإسناد صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن حاكم اليهود يومئذ كان
nindex.php?page=showalam&ids=88أبا برزة الأسلمي قبل أن يسلم ويصحب.
وروي بإسناد آخر صحيح إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه
كعب بن الأشرف . انتهى.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : ذكر سبب آخر غريب جدا، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قراءة، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16457عبد الله بن لهيعة، عن
أبي الأسود قال:
اختصم رجلان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضى بينهما، فقال المقضي عليه: ردنا إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم انطلقا إليه، فلما أتيا إليه، فقال الرجل: يا nindex.php?page=showalam&ids=2ابن الخطاب ! قضى لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا، فقال: ردنا إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب فردنا إليك، فقال: أكذاك؟ قال: نعم، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليه مشتملا على سيفه فضرب الذي قال: ردنا إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فقتله، وأدبر الآخر، فأتى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول! قتل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر والله صاحبي، ولولا أني أعجزته لقتلني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما كنت أظن أن يجترئ nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على قتل مؤمن فأنزل الله: فلا وربك لا يؤمنون الآية ، فهدر دم ذلك الرجل وبرئ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر من قتله، فكره الله أن يسن ذلك بعد، فأنزل:
ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم الآية، وكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13508ابن مردويه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، عن
أبي الأسود به، وهو أثر غريب مرسل،
وابن لهيعة ضعيف، والله أعلم.
طريق أخرى: قال الحافظ
أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في "تفسيره": حدثنا
شعيب بن شعيب، حدثنا
أبو المغيرة، حدثنا
عتبة بن حمزة، حدثني أبي
أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي [ ص: 1368 ] عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق، فذهبا إليه، فقال الذي قضى له: قد اختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى لي، فقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر : أنتما على ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى صاحبه أن يرضى، فقال: نأتي nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب، فقال المقضي له: قد اختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، فسأله nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقال كذلك فدخل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر منزله وخرج والسيف في يده قد سله، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى، فقتله، فأنزل الله: فلا وربك لا يؤمنون الآية. انتهى.
وقال الحافظ
ابن حجر في "الفتح": روى
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي في تفسيره عن
أبي صالح، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى
محمد، وقال المنافق: بل نأتي
كعب بن الأشرف ، فذكر القصة، وفيه أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الفاروق.
وهذا الإسناد - وإن كان ضعيفا - لكن تقوى بطريق
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، ولا يضره الاختلاف؛ لإمكان التعدد.
وأفاد
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي بإسناد صحيح عن
سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أن اسم الأنصاري المذكور
قيس، ورجح
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في "تفسيره" وعزاه إلى أهل التأويل في "تهذيبه" أن سبب نزولها هذه القصة؛ ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد، قال: ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك.
ثم قال: ولا مانع أن تكون قصة
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية، والله أعلم. انتهى.
قال
الرازي : اعلم أن قوله تعالى:
فلا وربك لا يؤمنون قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط:
أولها: قوله تعالى:
حتى يحكموك فيما شجر بينهم وهذا يدل على أن
من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنا.
الشرط الثاني:
[ ص: 1369 ] قوله:
ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت واعلم أن الراضي بحكم الرسول - عليه الصلاة والسلام - قد يكون راضيا في الظاهر دون القلب، فبين في هذه الآية أنه لا بد من حصول الرضا به في القلب، واعلم أن ميل القلب ونفرته شيء خارج عن وسع البشر، فليس المراد من الآية ذلك بل المراد منه أن يحصل الجزم واليقين في القلب بأن الذي يحكم به الرسول هو الحق والصدق.
الشرط الثالث: قوله:
ويسلموا تسليما واعلم أن من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقا وصدقا قد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد أو يتوقف في ذلك القبول، فبين تعالى أنه كما لا بد في الإيمان من حصول ذلك اليقين في القلب فلا بد أيضا من التسليم معه في الظاهر، فقوله:
ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت المراد به الانقياد في الباطن، وقوله:
ويسلموا تسليما المراد منه الانقياد في الظاهر، والله أعلم.
الثالث: قال
الرازي : ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس؛ لأنه لا يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الإطلاق، وأنه لا يجوز العدول منه إلى غيره، ومثل هذه المبالغة المذكورة في هذه الآية قلما يوجد في شيء من التكاليف، وذلك يوجب تقديم عموم القرآن والخبر على حكم القياس، وقوله:
ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت مشعر بذلك؛ لأنه متى خطر بباله قياس يفضي إلى نقيض مدلول النص فهناك يحصل الحرج في النفس، فبين تعالى أنه لا يكمل إيمانه إلا بعد أن لا يلتفت إلى ذلك الحرج، ويسلم النص تسليما كليا، وهذا الكلام قوي حسن لمن أنصف.
الرابع: (لا) في قوله تعالى:
فلا وربك قيل إنها رد لمقدر، أي: تفيد نفي أمر سبق، والتقدير: ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك، ثم استأنف القسم بقوله:
وربك لا يؤمنون حتى يحكموك وقيل: مزيدة لتأكيد النفي الذي جاء فيما بعد أعني الجواب؛ لأنه إذا ذكر في أول الكلام وفي آخره كان أوكد وأحسن، وقيل: إنها مزيدة لتأكيد معنى القسم، وارتضاه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، قال كما زيدت
[ ص: 1370 ] في:
لئلا يعلم [الحديد: من الآية 29] لتأكيد وجوب العلم.
قال في "الانتصاف": يشير إلى أن (لا) لما زيدت مع القسم - وإن لم يكن المقسم به - دل ذلك على أنها إنما تدخل فيه لتأكيد القسم، فإذا دخلت حيث يكون المقسم عليه نفيا تعين جعلها لتأكيد القسم؛ طردا للباب، أو الظاهر عنده - والله أعلم - أنها هنا لتوطئة النفي المقسم عليه،
nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري لم يذكر مانعا من ذلك، وحاصل ما ذكره: مجيئها لغير هذا المعنى في الإثبات، وذلك لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر من التوطئة، على أن في دخولها على القسم المثبت نظرا، وذلك أنها لم ترد في الكتاب العزيز إلا مع القسم حيث يكون بالفعل، مثل:
لا أقسم بهذا البلد [البلد: 1]:
لا أقسم بيوم القيامة [القيامة: 1]:
فلا أقسم بالخنس [التكوير: 15]
فلا أقسم بمواقع النجوم [الواقعة: 75]
فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون [الحاقة: 38 - 39] ولم تدخل أيضا إلا على القسم بغير الله تعالى، ولذلك سر يأبى كونها في هذه الآية لتأكيد القسم ويعين كونها للتوطئة، وذلك أن المراد بها في جميع الآيات التي عددناها تأكيد تعظيم المقسم به، إذ لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له، فكأنه بدخولها يقول: إن إعظامي لهذه الأشياء بالقسم بها كلا إعظام، يعني أنها تستوجب من التعظيم فوق ذلك، وهذا التأكيد إنما يؤتى به رفعا لتوهم كون هذه الأشياء غير مستحقة للتعظيم، وللإقسام بها، فيزاح هذا الوهم بالتأكيد في إبراز فعل القسم مؤكدا بالنفي
[ ص: 1371 ] المذكور.
وقد قرر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هذا المعنى في دخول (لا) عند قوله:
لا أقسم بيوم القيامة على وجه مجمل، هذا بسطه وإيضاحه، فإذا بين ذلك فهذا الوهم الذي يراد إزاحته في القسم بغير الله مندفع في الإقسام بالله، فلا يحتاج إلى دخول (لا) مؤكدة للقسم، فيتعين حملها على الموطئة، ولا تكاد تجدها - في غير الكتاب العزيز - داخلة على قسم مثبت، وأما دخولها في القسم وجوابه نفي، فكثير مثل:
فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
[ ص: 1372 ] وكقوله:
ألا نادت أمامة باحتمال لتحزنني فلا بك ما أبالي
وقوله:
رأى برقا فأوضع فوق بكر فلا بك ما أسال ولا أغاما
[ ص: 1373 ] وقوله:
فخالف فلا والله تهبط تلعة من الأرض إلا أنت للذل عارف
وهو أكثر من أن يحصى، فتأمل هذا الفصل فإنه حقيق بالتأمل. انتهى.
الخامس: اعلم أن كل حديث صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن رواه جامعو الصحاح، أو صححه من يرجع إليه في التصحيح من أئمة الحديث فهو مما تشمله هذه الآية، أعني قوله تعالى:
مما قضيت فحينئذ يتعين على كل مؤمن بالله ورسوله الأخذ به وقبوله ظاهرا وباطنا، وإلا بأن التمس مخارج لرده أو تأويله بخلاف ظاهره لتمذهب تقلده وعصبية ربي عليها - كما هو شأن المقلدة أعداء الحديث وأهله - فيدخل في هذا الوعيد الشديد المذكور في هذه الآية، الذي تقشعر له الجلود وترجف منه الأفئدة.
قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الرسالة التي أرسلها إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة، عن
عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه قال:
أرسله nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى شيخ من زهرة كان يسكن دارنا، فذهبت معه إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، فسأل عن وليدة من ولائد الجاهلية، فقال: أما الفراش فلفلان، وأما النطفة فلفلان، فقال: صدقت، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالفراش.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وأخبرني من لا أتهم، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب قال: أخبرني
مخلد بن خفاف قال:
[ ص: 1374 ] ابتعت غلاما فاستغللته، ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز، فقضى لي برده، وقضى علي برد غلته، فأتيت nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة فأخبرته فقال: أروح إليه العشية فأخبره أن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أخبرتني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان، فعجلت إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فأخبرته بما أخبرني به عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : فما أيسر علي من قضاء قضيته، والله يعلم أني لم أرد فيه إلا الحق - فبلغتني فيه سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرد قضاء nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وأنفذ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراح إليه nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة فقضى لي أن آخذ الخراج الذي قضى به علي له.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وأخبرني من لا أتهم من أهل
المدينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب قال: قضى
سعيد بن إبراهيم على رجل بقضية، برأي
ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فأخبرته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ما قضى به، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15976سعد لربيعة: هذا
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب، وهو عندي ثقة، يخبرني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ما قضيت به، فقال له
ربيعة: قد اجتهدت ومضى حكمك، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15976سعد: واعجبا، أنفذ قضاء
nindex.php?page=showalam&ids=15976سعد بن أم سعد وأرد قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل أرد قضاء
nindex.php?page=showalam&ids=15976سعد بن أم سعد وأنفذ قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعى
nindex.php?page=showalam&ids=15976سعد بكتاب القضية فشقه، فقضى للمقضي عليه.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أخبرنا
أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي، قال: حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15985المقبري، عن
أبي شريح الكعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عام الفتح: [ ص: 1375 ] من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : فقلت
nindex.php?page=showalam&ids=12493لابن أبي ذئب : أتأخذ بهذا يا
أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح علي صياحا كثيرا، ونال مني وقال: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وتقول: أتأخذ به؟! نعم، آخذ به، وذلك الفرض علي وعلى من سمعه، إن الله تبارك وتعالى اختار
محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين داخرين، لا مخرج لمسلم من ذلك، وما سكت حتى تمنيت أن يسكت. انتهى.
قال
الإمام الفلاني في "إيقاظ الهمم" بعد نقل ما مر: تأمل فعل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وفعل
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز وفعل
nindex.php?page=showalam&ids=15975سعد بن إبراهيم ، يظهر لك أن المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعند سائر العلماء المسلمين - أن
حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نص كتاب الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب نقضه ومنع نفوذه، ولا يعارض نص الكتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية، بأن يقال: لعل هذا المجتهد قد اطلع على هذا النص وتركه لعلة ظهرت له، أو أنه اطلع على دليل آخر، ونحو هذا مما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين، وأطبق عليه جهلة المقلدين، فافهم. انتهى.
[ ص: 1376 ] وقال
ولي الدين التبريزي في "مشكاة المصابيح" في (الفصل الثالث عشر) من (باب الجماعة وفضلها): وعن
بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=657680لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم فقال بلال: والله لنمنعهن، فقال عبد الله : أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول أنت: لنمنعهن؟!
(وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم عن أبيه) قال:
فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا ما سمعت سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: والله لنمنعهن، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=685541لا يمنعن رجل أهله أن يأتوا المساجد فقال ابن nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر : فإنا نمنعهن، فقال عبد الله أحدثك عن رسول الله وتقول هذا؟ قال فما كلمه عبد الله حتى مات، رواه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد.
وقال
الطيبي شارح "المشكاة": عجبت ممن سمي بالسني إذا سمع من سنة رسول الله وله رأي رجح رأيه عليها، وأي فرق بينه وبين المبتدع؟! أما سمع:
nindex.php?page=hadith&LINKID=848604لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ؟
وها هو
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - وهو من أكابر الصحابة وفقهائها - كيف غضب لله ورسوله وهجر فلذة كبده لتلك الهنة؛ عبرة لأولي الألباب.
وروى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في "صحيحه" في (كراهة الخذف) قبيل (كتاب الأضاحي) عن
[ ص: 1377 ] nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=hadith&LINKID=679730أن قريبا nindex.php?page=showalam&ids=5078لعبد الله بن مغفل خذف، قال فنهاه وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين فقال فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ثم تخذف، لا أكلمك أبدا.
قال
النووي: فيه جواز
هجران أهل البدع والفسوق ، وأنه يجوز هجرانهم دائما، فالنهي عنه فوق ثلاثة أيام إنما هو في هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما هجر أهل البدع فيجوز على الدوام، كما يدل عليه هذا مع نظائر له، لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك .
قال
السيوطي : وقد ألفت مؤلفا سميته "الزجر بالهجر" لأني كثير الملازمة لهذه السنة.
أقول: حديث الخذف ساقه الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدارمي في "سننه" تحت باب (تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثه فلم يعظمه ولم يوقره) ورواه من طرق متنوعة، وفي بعضها:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660620أحدثك أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الخذف ثم تخذف؟ والله! لا أشهد لك جنازة ولا أعودك في مرض ولا أكلمك أبدا.
وأسند
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدارمي في هذا الباب، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين أنه حدث رجلا بحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: قال فلان وفلان: كذا وكذا! فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : أحدثك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول: قال فلان وفلان؟! لا أكلمك أبدا.
وأسند أيضا فيه عن
عبد الرحمن بن حرملة قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=709249جاء رجل إلى nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يودعه [ ص: 1378 ] بحج أو عمرة، فقال له: لا تبرح حتى تصلي، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: لا يخرج بعد النداء من المسجد إلا منافق، إلا رجل أخرجته حاجة وهو يريد الرجعة إلى المسجد، فقال: إن أصحابي بالحرة، قال فخرج، قال: فلم يزل سعيد يولع بذكره حتى أخبر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه.
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدارمي - رضي الله عنه - قبل هذا الباب (باب ما يتقى من تفسير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول غيره عند قوله صلى الله عليه وسلم) وأسند عن
nindex.php?page=showalam&ids=17116معتمر ، عن أبيه، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال: أما تخافون أن تعذبوا أو يخسف بكم أن تقولوا: قال رسول الله وقال فلان.
قال الإمام
شمس الدين بن القيم في "أعلام الموقعين": ترى كثيرا من الناس إذا جاء الحديث يوافق قول من قلده - وقد خالفه راويه - يقول: الحجة فيما روى لا في قوله، فإذا جاء قول الراوي موافقا لقول من قلده والحديث يخالفه قال: لم يكن الراوي يخالف ما رواه إلا وقد صح عنده نسخه، وإلا كان قدحا في عدالته، فيجمعون في كلامهم بين هذا وهذا.
بل قد رأينا ذلك في الباب الواحد، وهذا من أقبح التناقض، والذي ندين الله به، ولا يسعنا غيره، أن الحديث إذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه - أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان، لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ولا يحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو أن يتأول فيه تأويلا مرجوحا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدر انتقاء ذلك كله ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه لم يكن الراوي معصوما، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك، اهـ.
[ ص: 1379 ] وقال
الفلاني رحمه الله تعالى في "الإيقاظ" قال
عثمان بن عمر: جاء رجل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس فسأله عن مسألة فقال له: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، فقال الرجل: أرأيت؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: لم تكن من فتيا الناس أن يقال لهم: لم قلت هذا؟ كانوا يكتفون بالرواية ويرضون بها.
قال
الجنيد - رضي الله عنه -: الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وقال شيخ الإسلام
ابن تيمية في (فتوى له) قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله تعالى افترض على العباد طاعته وطاعة رسوله، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه، في كل ما أمر به ونهى عنه، إلا رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى كان صديق الأمة وأفضلها بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنه يقول: أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما أمر به ونهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاء الأئمة الأربعة قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه، وذلك هو الواجب، وقال أبو حنيفة: هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خير منه قبلناه، ولهذا لما اجتمع أفضل أصحابه
أبو يوسف بإمام دار الهجرة
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس وسأله عن مسألة الصاع، وصدقة الخضروات، ومسألة الأحباس، فأخبره
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك - رضي الله عنه - بما دلت عليه السنة في ذلك، فقال: رجعت لقولك يا أبا
عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت.
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك رحمه الله كان يقول: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة، أو كلام هذا معناه.
[ ص: 1380 ] nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمه الله كان يقول: إذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على طريق فهي قولي.
ثم قال
ابن تيمية: وإذا قيل لهذا المستفتي المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلاني؟ كانت هذه معارضة فاسدة؛ لأن الإمام الفلاني قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة، ولست من هذا ولا من هذا، ولكن نسبة هؤلاء الأئمة إلى نسبة
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وأبي ومعاذ ونحوهم إلى الأئمة وغيرهم، فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع، فإذا تنازعوا في شيء ردوه إلى الله وإلى رسوله، وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر، وكذلك موارد النزاع بين الأئمة، وقد ترك الناس قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود - رضي الله عنهما - في مسألة
تيمم الجنب ، وأخذوا بقول
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه – وغيره لما احتج بالكتاب والسنة، وتركوا قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - في دية الأصابع، وأخذوا بقول
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان لما كان من السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656387هذه وهذه سواء .
وقد كان بعض الناس يناظر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - في المتعة، فقال له: قال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - لما سألوه عنها، فأمر بها فعارضوه بقول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فبين لهم أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لم يرد ما يقولونه، فألحوا عليه فقال لهم، أرسول الله أحق أن يتبع أم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ؟ مع علم الناس بأن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر أعلم من
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - رضي الله عنهم - ولو فتح هذا الباب لأوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله، وبقي كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي في أمته، وهذا تبديل للدين، وشبيه بما عاب الله به النصارى في قوله:
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون [التوبة: 31] والله سبحانه أعلم. انتهى.
[ ص: 1381 ] وقال الإمام
ابن القيم في خطبة "زاد المعاد": فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته صلى الله عليه وسلم، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة، وقد أقسم صلى الله عليه وسلم بأن لا يؤمن أحد حتى يكون هو أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وأقسم سبحانه بأنه لا يؤمن من لم يحكمه في كل ما تنازع فيه هو وغيره، ثم يرضى بحكمه، ولا يجد في نفسه حرجا مما حكم به، ثم يسلم له تسليما، وينقاد له انقيادا، وقال تعالى:
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [الأحزاب: من الآية 36] فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله، فليس لمؤمن أن يختار شيئا
[ ص: 1382 ] بعد أمره صلى الله عليه وسلم، بل إذا أمر فأمره حتم، وإنما الخيرة في قول غيره، إذا خفي أمره، وكان ذلك الغير من أهل العلم به وبسنته، فبهذه الشروط يكون قول غيره سائغ الاتباع، لا واجب الاتباع، فلا يجب على أحد اتباع قول أحد سواه، بل غايته أنه يسوغ له اتباعه، ولو ترك الأخذ بقول غيره لم يكن عاصيا لله ورسوله، فأين هذا ممن يجب على جميع المكلفين اتباعه، ويحرم عليهم مخالفته، ويجب عليهم ترك كل قول لقوله، فلا حكم لأحد معه، ولا قول لأحد معه، كما لا تشريع لأحد معه، وكل حي سواه فإنما يجب اتباعه على قوله إذا أمر بما أمر به ونهى عما نهى عنه، فكان مبلغا محضا ومخبرا، لا منشئا ومؤسسا، فمن أنشأ أقوالا وأسس قواعد بحسب فهمه وتأويله لم يجب على الأمة اتباعها ولا التحاكم إليها، حتى تعرض على ما جاء به، فإن طابقته ووافقته وشهد لها بالصحة قبلت حينئذ، وإن خالفته وجب ردها واطراحها، وإن لم يتبين فيها أحد الأمرين جعلت موقوفة، وكان أحسن أحوالها أن يجوز الحكم والإفتاء بها، وأما أنه يجب ويتعين، فكلا. انتهى.
وقوله تعالى: