القول في تأويل قوله تعالى:
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا [90]
إلا الذين يصلون يلجئون
إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أي: عهد بهدنة أو أمان فاجعلوا حكمهم كحكمهم لئلا يفضي إلى قتال من وصلوا إليهم فيفضي إلى نقض الميثاق.
أو جاءوكم عطف على الصلة أي: والذين جاءوكم
حصرت صدورهم حال بإضمار (قد) أي: ضاقت وانقبضت نفوسهم
أن يقاتلوكم لإرادتهم المسالمة
أو يقاتلوا قومهم أي: معكم من أجلكم لمكان القرابة منهم، فهم لا لكم ولا عليكم.
قال
أبو السعود : استثني من المأمور بأخذهم وقتلهم فريقان:
أحدهما: من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين.
والآخر: من أتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين.
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أن
سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=104910لما ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل بدر وأحد ، وأسلم من حولهم، قال: بلغني أنه يريد أن يبعث nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج ، فأتيته فقلت: أنشدك النعمة، بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي، وأنا أريد أن توادعهم، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام، وإن لم يسلموا لم يحسن تغليب قومك عليهم، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيد nindex.php?page=showalam&ids=22خالد فقال: اذهب فافعل ما يريد [ ص: 1440 ] فصالحهم nindex.php?page=showalam&ids=22خالد على أن لا يعينوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن أسلمت قريش أسلموا معهم، وأنزل الله: إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فكان من وصل إليهم كان معهم على عهدهم ، وفي قوله تعالى:
ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم إشعار بقوتهم في أنفسهم، وأن في التعرض لقتلهم إظهارا لقوتهم الخفية في الجملة جارية مجرى التعليل لاستثنائهم من الأخذ والقتل.
فإن اعتزلوكم أي: تركوكم
فلم يقاتلوكم مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك بمشيئة الله عز وجل
وألقوا إليكم السلم أي: الانقياد والاستسلام
فما جعل الله لكم عليهم سبيلا أي: طريقا بالأسر أو القتل، إذ لا ضرر منهم في الإسلام، وقتالهم يظهر كمال قوتهم.
لطيفة:
قال
الخفاجي (السلم) بفتحتين: الانقياد، وقرئ بسكون اللام مع فتح السين وكسرها، وكأن إلقاء السلم استعارة؛ لأن من سلم شيئا ألقاه وطرحه عند المسلم له، وعدم جعل السبيل مبالغة في عدم التعرض لهم؛ لأن من لا يمر بشيء كيف يتعرض له؟