القول في تأويل قوله تعالى :
[64 ]
ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين
"ثم توليتم" أي : أعرضتم عن الوفاء بالميثاق "من بعد ذلك" أي : من بعد أخذ ذلك الميثاق المؤكد :
فلولا فضل الله عليكم ورحمته أي لكم بتوفيقكم للتوبة ، أو تأخير العذاب،
لكنتم من الخاسرين أي الهالكين بالعقوبة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : الخاسر المطلق ، في القرآن ، هو الذي خسر أعظم ما يقتنى ، وذلك نعيم الأبد ، وهو المذكور في قوله :
قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال : قد يعلم في الجملة أنهم بعد قبول التوراة ورفع الطور ، تولوا عن التوراة بأمور كثيرة ; فحرفوا كلمها عن مواضعه ، وتركوا العمل بها ، وقتلوا الأنبياء ، وكفروا بهم ، وعصوا أمرهم . ومنها ما عمله أوائلهم ، ومنها ما فعله متأخروهم ، ولم يزالوا في التيه مع مشاهدتهم الأعاجيب ليلا ونهارا يخالفون موسى ويعترضون عليه ، ويلقونه بكل أذى ويجاهرون بالمعاصي في معسكرهم ذلك . حتى لقد خسف ببعضهم ، وأحرقت النار بعضهم، وعوقبوا بالطاعون . وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرون بها ، ثم فعل متأخروهم ما لا خفاء به . حتى عوقبوا بتخريب
بيت المقدس ، وكفروا
بالمسيح ، وهموا بقتله .
والقرآن ، وإن لم يكن فيه بيان ما تولوا به عن التوراة ، فالجملة معروفة ، وذلك إخبار من الله تعالى عن عناد أسلافهم . فغير عجيب إنكارهم ما جاء به
محمد عليه الصلاة والسلام
[ ص: 150 ] من الكتاب ، وجحودهم لحقه . وحالهم في كتابهم ونبيهم ما ذكر . والله أعلم .
ثم ذكرهم تعالى بالإيقاع بمن نقض ميثاقه وفيما أخذه عليهم من تعظيم السبت بقوله :