القول في تأويل قوله تعالى:
[34]
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم إلا الذين تابوا أي: من المحاربين:
من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم [ ص: 1955 ] وفي هذه الآية مسائل:
الأولى - روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، أنها نزلت في المشركين. وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي، أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم. وظاهر أنها عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات. كما روى الشيخان وأهل السنن
nindex.php?page=showalam&ids=13507وابن مردويه وهذا لفظه: عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك; nindex.php?page=hadith&LINKID=675721أن ناسا من عرينة قدموا المدينة فاجتووها. فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها ففعلوا فصحوا، فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي وساقوا الإبل. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فجيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمل أعينهم وألقاهم في الحرة. قال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا، حتى ماتوا. ونزلت: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية. nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660172إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 1956 ] أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء. وعند
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: قال
أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وبعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.
الثانية - زعم بعضهم أن الآية نزلت نسخا لعقوبة العرنيين المتقدمة.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: حدثنا
علي بن سهل، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم قال: ذاكرت
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد: ما كان سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا. فقال: سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم معاتبة في ذلك وعلمه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفي، ولم يسمل بعدهم غيرهم. قال: وكان هذا القول ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13760لأبي عمرو - يعني الأوزاعي - فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال: بلى. كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم. ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم. فرفع عنهم السمل. وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير أيضا في القصة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال: فما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولا بعد، قال:
[ ص: 1957 ] ونهى عن المثلة، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=938986«لا تمثلوا بشيء.» والنهي عن المثلة مروي في الصحيح والسنن.
الثالثة - احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء، في ذهابهم إلى أن المحاربة في الأمصار وفي السبلات على السواء. لقوله:
ويسعون في الأرض فسادا وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد.
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية: ولو شهروا السلاح في البنيان لا في الصحراء لأخذ المال. فقد قيل: إنهم ليسوا محاربين بل هم بمنزلة المنتهب. لأن المطلوب يدركه الغوث إذا استغاث بالناس. وقال الأكثرون: إن حكم من في البنيان والصحراء واحد، بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء. لأن البنيان محل الأمن والطمأنينة، ولأنه محل تناصر الناس وتعاونهم، فإقدامهم عليه يقتضي شدة المحاربة والمغالبة، ولأنهم يسلبون الرجل في داره جميع ماله، والمسافر لا يكون معه غالبا إلا بعض ماله; وهذا هو الصواب.
حتى قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتا فيقتله ويأخذ ما معه: إن هذه محاربة. ودمه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول. ولا اعتبار بعفوه عنه في إنفاذ القتل.
[ ص: 1958 ] وإنما كان ذلك محاربة، لأن القتل بالحيلة كالقتل مكابرة، كلاهما لا يمكن الاحتراز منه، بل قد يكون ضرر هذا أشد، لأنه لا يدري به.
وقيل: إن المحارب هو المجاهر بالقتال، وإن هذا المغتال يكون أمره إلى ولي أمر الدم. والأول أشبه بأصول الشريعة.
الرابعة - ظاهر الآية: أن
عقوبة المحاربين المفسدين أحد هذه الأنواع. فيفعل الإمام منها ما رأى فيه صلاحا. قال
ابن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، في الآية: من شهر السلاح في قبة الإسلام، وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار: إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله. وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء [ ص: 1959 ] nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك. كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير، وحكي مثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير: ومستند هذا القول ظاهر. وللتخيير نظائر من القرآن. كقوله في جزاء الصيد:
فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما وقوله في كفارة الترفه:
فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وقوله في كفارة اليمين:
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وهذه كلها على التخيير، فكذلك فلتكن هذه الآية. وقال
[ ص: 1960 ] الجمهور: هذه الآية منزلة على أحوال.
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12357إبراهيم بن أبي يحيى، عن
صالح مولى التوأمة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا. وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض. وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
عبد الرحيم بن سليمان، عن
حجاج، عن
عطية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بنحوه، وعن
أبي مجلز nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=16566وعطاء الخراساني نحو ذلك. وهكذا قال غير واحد من السلف والأئمة انتهى.
وفي "النهاية" من فقه
الزيدية: يرجع في المحارب إلى رأي الإمام، فإن كان له رأي قتله أو صلبه - لأن القطع لا يدفع المضرة - وإن كان لا رأي له لكنه ذو قوة قطعه من خلاف، وإن عدم القوة والرأي ضرب ونفي; وهذا معنى التخيير بين هذه الأمور، أنه يرجع إلى اجتهاد الإمام، على ما ذكر. انتهى.
ورأيت
لشيخ الإسلام ابن تيمية فصلا مهما في المحاربين في كتابه "السياسة الشرعية" وقد مثلهم بقطاع الطريق الذين يعترضون الناس بالسلاح في الطرقات ونحوها ليغصبوهم المال مجاهرة، من الأعراب أو التركمان أو الأكراد أو الفلاحين أو فسقة الجند أو مردة الحاضرة أو غيرهم. ثم ساق رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي المتقدمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقال:
هذا قول كثير من أهل العلم -
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد رضي الله عنهما - وهو قريب من قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - ومنهم من قال: للإمام أن يجتهد فيهم فيقتل من رأى قتله
[ ص: 1961 ] مصلحة فيهم وإن كان لم يقتل مثل أن يكون رئيسا مطاعا فيهم. ويقطع من رأى قطعه مصلحة وإن كان لم يأخذ المال. مثل أن يكون ذا جلد وقوة في أخذ المال. كما أن منهم من يرى أنه
إذا أخذوا المال قتلوا وقطعوا وصلبوا. والأول قول الأكثر. فمن كان من المحاربين قد قتل فإنه يقتله الإمام حدا لا يجوز العفو عنه بحال، بإجماع العلماء. ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر. ولا يكون أمره إلى ورثة المقتول. بخلاف ما لو قتل رجل رجلا لعداوة بينهما، أو لخصومة، أو نحو ذلك من الأسباب الخاصة. فإن هذا دمه لأولياء المقتول. إن أحبوا قتلوا. وإن أحبوا عفوا. وإن أحبوا أخذوا الدية لأنه قتله لغرض خاص. وأما
المحاربون فإنما يقتلون لأخذ أموال الناس، فضررهم عام بمنزلة السراق. فكان قتلهم حد الله. وهذا متفق عليه بين الفقهاء. حتى لو كان المقتول غير مكافئ للقاتل. مثل أن يكون القاتل حرا والمقتول عبدا، أو القاتل مسلما والمقتول ذميا أو مستأمنا. فقد اختلف الفقهاء: هل يقتل في المحاربة؟ والأقوى أنه يقتل للفساد العام حدا، كما يقطع إذا أخذ أموالهم. وكما يحبس بحقوقهم.
وإذا كان المحاربون الحرامية جماعة، فالواحد منهم باشر القتل بنفسه والباقون له أعوان وردء له، فقد قيل: إنه يقتل المباشر فقط. والجمهور على أن الجميع يقتلون ولو كانوا مائة. والردء والمباشر سواء. وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين. فإن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قتل ربيئة المحاربين. والربيئة هو الناظور الذي يجلس على مكان عال ينظر منه لهم من يجيء.
ولأن المباشر إنما يمكن من قتله بقوة الردء ومعونته. والطائفة إذا انتصر بعضها ببعض، حتى صاروا ممتنعين، فهم مشتركون في الثواب والعقاب كالمجاهدين. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ويرد [ ص: 1962 ] متسريهم على قاعدتهم» . يعني: أن جيش المسلمين إذا تسرت منه سرية فغنمت مالا، فإن الجيش يشاركها فيما غنمت، لأنها بظهره وقوته تمكنت. لكن تنفل عنه نفلا. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل السرية، إذا كانوا في بدايتهم، الربع بعد الخمس. فإذا رجعوا إلى أوطانهم وتسرت سرية، نفلهم الثلث بعد الخمس. وكذلك لو غنم الجيش غنيمة شاركته السرية؛ لأنها في مصلحة الجيش. كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=55لطلحة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير يوم
بدر، لأنه كان قد بعثهما في مصلحة الجيش. فأعوان الطائفة المتمنعة وأنصارها منها، فيما لهم وعليهم. وهكذا المقتتلون على باطل لا تأويل فيه، مثل المقتتلين على عصبية ودعوى جاهلية.
كقيس ويمن ونحوهما، هما ظالمتان. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=680467«إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» . قيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه أراد قتل صاحبه» . أخرجاه في "الصحيحين" وتضمن كل طائفة ما أتلفته الأخرى من نفس ومال وإن لم يعرف عين القاتل. لأن الطائفة الواحدة المتمنع بعضها ببعض كالشخص الواحد. وأما إذا أخذوا المال فقط ولم يقتلوا - كما قد يفعله الأعراب كثيرا - فإنه يقطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى عند أكثر العلماء.
nindex.php?page=showalam&ids=11990كأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وغيرهم. وهذا معنى قوله تعالى:
أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف تقطع اليد التي يبطش بها، والرجل التي يمشي عليها، وتحسم يده ورجله
[ ص: 1963 ] بالزيت المغلي ونحوه، لينحسم الدم فلا يخرج فيفضي إلى تلفه. وكذا تحسم يد السارق بالزيت. وهذا الفعل قد يكون أزجر من القتل. فإن الأعراب وفسقة الجند وغيرهم، إذا رأوا دائما من هو بينهم مقطوع اليد والرجل، ذكروا بذلك جرمه، فارتدعوا. بخلاف القتل، فإنه قد ينسى. وقد يؤثر في بعض النفوس الأبية قتله على قطع يده ورجله من خلاف. فيكون هذا أشد تنكيلا له ولأمثاله. وأما إذا شهروا السلاح ولم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا مالا، ثم أغمدوه أو هربوا، وتركوا الحراب، فإنهم ينفون. فقيل (نفيهم) تشريدهم. فلا يتركون يأوون في بلد. وقيل: هو حبسهم. وقيل: هو ما يراه الإمام أصلح من نفي أو حبس أو نحو ذلك. والقتل المشروع ضرب الرقبة بالسيف ونحوه. لأن ذلك أوحى (أي: أسرع) أنواع القتل. وكذلك شرع الله قتل ما يباح قتله من الآدميين والبهائم إذا قدر عليه على هذا الوجه. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=663699«إن الله كتب الإحسان على كل شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح. وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم. وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=51638«إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان» . وأما الصلب المذكور فهو رفعهم على مكان عال ليراهم الناس ويشتهر أمرهم، وهو بعد القتل، عند جمهور العلماء. ومنهم من قال: يصلبون ثم يقتلون وهم مصلوبون. وقد جوز بعض الفقهاء قتلهم بغير السيف حتى قال: يتركون على المكان العالي حتى يموتوا حتف أنوفهم بلا قتل.
الخامسة: تتمة الآية. أعني قوله تعالى:
ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم تدل على أن المحاربين يعاقبون في الدنيا والآخرة مطلقا. ولا يكون الحد المذكور طهرة لهم، ولو كانوا مسلمين.
[ ص: 1964 ] قال
السيوطي في "الإكليل": قال
nindex.php?page=showalam&ids=12844ابن الفرس: ظاهره أن عقوبة المحارب لا تكون كفارة له، كما تكون في سائر الحدود.
وقال
العارف الشعراني في "ميزانه": سمعت شيخنا،
شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول: لم يرد لنا أن أحدا يؤخذ بذنبه في الدنيا والآخرة معا، إلا المحاربين، لقوله تعالى:
ذلك لهم خزي الآية.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير: هذا يرجح رواية نزولها في المشركين. فأما أهل الإسلام ففي "صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم" عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660232أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخذ على النساء، ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا. فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى، ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارته، ومن ستره الله فأمره إلى الله. إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
السادسة: دل قوله تعالى:
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم على أن
توبة المحاربين، قبل الظفر بهم، تسقط عنهم حد المحاربين المذكور في الآية. سواء كانوا مشركين أو مسلمين. وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وغيره. وقد قال
الهادي: إذا تاب المحارب قبل الظفر به، سقط عنه كل تبعة من قتل أو دين، لعموم الآية.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير: أما على قول من قال: إنها في أهل الشرك فظاهر. أي: فإنهم إذا آمنوا قبل القدرة عليهم، سقط عنهم جميع الحدود المذكورة. فلا يطالبون بشيء مما أصابوا من مال أو دم. قال
أبو إسحاق: جعل الله التوبة للكفار تدرأ عنهم الحدود التي وجبت عليهم في كفرهم، ليكون ذلك داعيا لهم إلى الدخول في الإسلام. وأما المحاربون المسلمون، فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم تحتم القتل والصلب وقطع الرجل. وهل يسقط قطع اليد؟ فيه قولان للعلماء. وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع، وعليه عمل الصحابة
[ ص: 1965 ] كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال: كان
حارثة بن بدر التميمي من أهل
البصرة - وكان قد أفسد في الأرض وحارب - فكلم رجالا من
قريش منهم:
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=166وعبد الله بن جعفر؛ فكلموا
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا فيه فلم يؤمنه. فأتى
سعيد بن قيس الهمداني، فخلفه في داره ثم أتى
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا فقال: يا أمير المؤمنين! أرأيت من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا - فقرأ حتى بلغ:
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فقال: اكتب له أمانا. قال
سعيد بن قيس: فإنه
جارية بن بدر. وكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من غير وجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16878مجالد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي، فقال
حارثة بن بدر: ألا أبلغا همدان إما لقيتها على النأي لا يسلم عدو يعيبها
لعمر أبيها إن همدان تتقي الـ
إله ويقضي بالكتاب خطيبها
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير - من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي، ومن طريق
أشعث - كلاهما. عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577عامر الشعبي قال: جاء رجل من
مراد إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى - وهو على
الكوفة في إمرة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه - بعد ما صلى المكتوبة فقال: يا
nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى! هذا مقام العائذ بك. أنا فلان بن فلان المرادي. كنت حاربت الله ورسوله، وسعيت في الأرض فسادا، وإني تبت من قبل أن تقدروا علي. فقام
أبو موسى فقال: إن هذا فلان بن فلان. وإنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا، وإنه تاب من قبل أن يقدر عليه، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير، (فإن يك صادقا فسبيل من صدق. وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه). فأقام الرجل ما شاء الله، ثم إنه خرج فأدركه الله بذنوبه فقتله. ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=8علي، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم، قال: قال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث. وكذلك حدثني
موسى بن إسحاق المدني، وهو الآمر عندنا،
[ ص: 1966 ] أن
عليا الأسدي حارب وأخاف السبيل، وأصاب الدم والمال، فطلبه الأئمة والعامة، فامتنع ولم يقدر عليه حتى جاء تائبا، وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية:
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم فوقف عليه فقال: يا عبد الله! أعد قراءتها. فأعادها عليه. فغمد سيفه ثم جاء تائبا حتى قدم
المدينة من السحر. فاغتسل. ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصلى الصبح ثم قعد إلى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في غمار أصحابه. فلما أسفر عرفه الناس فقاموا إليه. فقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة: صدق. وأخذ بيده
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة حتى أتى
مروان بن الحكم - في إمرته على
المدينة في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية - فقال: هذا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي جاء تائبا ولا سبيل لكم عليه ولا قتل. قال: فترك من ذلك كله. قال: وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=8علي تائبا مجاهدا في سبيل الله في البحر. فلقوا
الروم. فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم. فاقتحم على
الروم في سفينتهم. فهزموا منه إلى سفينتهم الأخرى. فمالت بهم وبه. فغرقوا جميعا.
هذا، وفي تفسير بعض
الزيدية - نقلا عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد والنفس الزكية والمؤيد بالله nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي - أن توبة المحارب تسقط الحدود لله، دون حقوق بني
آدم من قتل أو مال، لقوله تعالى:
كتب عليكم القصاص في القتلى وقوله:
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [ ص: 1967 ] وقوله تعالى:
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وقوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=21691«على اليد ما أخذت حتى ترد» ، وقوله عليه الصلاة والسلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=31477«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه» . قال في "شرح الإبانة": وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي بإسناده إلى أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عليه السلام; أن قاطع الطريق، إذا تاب قبل أن يؤخذ وظفر به الإمام. ضمن المال واقتص منه. ثم قال: أما الكافر فلا خلاف أن توبته تسقط عنه جميع الحدود. انتهى.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: نزلت في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل.
وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد، إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله.