صفحة جزء
[ ص: 2043 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[56] ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون

ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فيعينهم وينصرهم: فإن حزب الله هم الغالبون في العاقبة على أعدائه.

تنبيهات:

الأول: إنما أفرد (الولي) ولم يجمع، مع أنه متعدد، للإيذان بأن الولاية لله أصل، ولغيره تبع لولايته عز وجل. فالتقدير: وكذلك رسوله والذين آمنوا.

الثاني: ثمرة هذه الآية تأكيد موالاة المؤمنين والبعد عن موالاة الكفار.

الثالث: قال ابن كثير: توهم بعض الناس أن هذه الجملة - يعني قوله تعالى: وهم راكعون - في موضع الحال من قوله: ويؤتون الزكاة أي: في ركوعهم. ولو كان هذا كذلك، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمهم من أئمة الفتوى. وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرا عن علي بن أبي طالب، أن هذه الآية نزلت فيه: أنه مر به سائل في حال ركوعه، فأعطاه خاتمه. ثم روى ابن كثير الأثر المذكور عن ابن أبي حاتم وابن جرير وعبد الرزاق وابن مردويه، ثم قال: وليس يصح شيء منها بالكلية. لضعف أسانيدها وجهالة رجالها.. انتهى.

وقد اقتص ذلك الخفاجي في "حواشي البيضاوي" عن الحاكم وغيره بطول. ثم أنشد أبياتا لحسان بن ثابت فيها. ولوائح الضعف بل الوضع لا تخفى عليها. لا سيما ونفس حسان بن ثابت، العريق في العربية، بعيد مما نسب إليه. وأي حاجة للتنويه بفضل علي عليه السلام بمثل هذه الواهيات. وفضله أشهر من نار على علم.

[ ص: 2044 ] قال البغوي: روي عن عبد الملك بن سليمان قال: سألت أبا جعفر، محمد بن علي الباقر عن هذه الآية: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا من هم؟ فقال: المؤمنون. فقلت: إن ناسا يقولون هو علي. فقال: علي من الذين آمنوا.

قال ابن كثير: وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها، أن هذه الآية كلها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه، حين تبرأ من حلف يهود، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين.

الرابع: ذهب من رأى أن هذه الآية نزلت في علي عليه السلام وأنه تصدق بخاتمه وهو راكع - كما قدمنا - إلى أن العمل القليل في الصلاة لا يبطلها، وأن صدقة النفل تسمى زكاة. نقله السيوطي في "الإكليل" عن ابن الفرس.

وقال بعض الزيدية: ثمرة الآية تأكد موالاة المؤمنين، وبيان فضل من نزلت فيه، وأنه يجوز إخراج الزكاة في الصلاة، وتنوى. وكذا نية الصيام في الصلاة تصح. وإن الفعل القليل لا يفسد الصلاة. قال: وهذا مأخوذ من سبب نزولها، لا من لفظها. ومتى قيل: إن عليا عليه السلام لم تجب عليه زكاة؟ قلنا: إذا صح ما ذكر أنها نزلت فيه، كان أولى بالصحة، وأنها قد وجبت عليه.

قال في "الغياضة": إن قيل: قد روي أنه كان من ذهب، والذهب محرم على الرجال; أجيب بأن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ، أو أن هذا من خواص علي عليه السلام. انتهى.

قال الزمخشري: فإن قلت: كيف صح أن يكون لعلي رضي الله عنه، واللفظ لفظ جماعة؟ قلت: جيء به على لفظ الجمع، وإن كان السبب فيه رجلا واحدا، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه. ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية [ ص: 2045 ] من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء. حتى إن لزهم أمر لا يقبل التأخير - وهم في الصلاة - لم يؤخروه إلى الفراغ منها. انتهى.

وإنما أوردنا هذا، على علاته، تعجيبا من غرائب الاستنباط. وقد توسع الرازي، عليه الرحمة، في المناقشة مع الشيعة هنا، فليراجع فإنه بحث بديع.

الخامس: قوله تعالى: فإن حزب الله هم الغالبون معناه: فإنهم هم الغالبون.

فوضع الظاهر موضع الضمير العائد إلى (من) دلالة على علة الغلبة. وهو أنهم حزب الله. فكأنه قيل: ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله. وحزب الله هم الغالبون. وتنويها بذكرهم وتعظيما لشأنهم وتشريفا لهم بهذا الاسم. وتعريضا لمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان. وأصل (الحزب) القوم يجتمعون لأمر حزبهم. وقيل: الحزب جماعة فيهم شدة. فهو أخص من الجماعة والقوم.

ثم أشار تعالى إلى أن موالاة غيرهم، إن كانت لجر نفع، فضررها أعظم. وإن كانت لدفع ضرر فالضرر الحاصل بها لا يفي بالمدفع، فقال سبحانه:

التالي السابق


الخدمات العلمية