القول في تأويل قوله تعالى:
[58]
وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون وإذا ناديتم إلى الصلاة أي: دعوتم إليها بالأذان:
اتخذوها أي: الصلاة أو المناداة:
هزوا ولعبا بأن يستهزئوا بها ويتضاحكوا:
ذلك أي: الاتخاذ:
بأنهم أي: بسبب أنهم:
قوم لا يعقلون أي: معاني عبادة الله، فإن السفه يؤدي إلى الجهل بمحاسن الحق والهزء به، ولو كان لهم عقل في الجملة لما اجترأوا على تلك العظيمة. فإن الصلاة أكرم القربات، وفي النداء معان شريفة من تعظيم الله باعتبار ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. ومن ذكر توحيده باعتبار ذاته، باعتبار عدم مغايرة أسمائه وصفاته، ومن تعظيم رسوله باعتبار قيامه بمصالح المعاش والمعاد، ومن الصلاة من حيث هي وصلة ما بين العبد وبين الله، ومن حيث إفادته معالي الدرجات، ومن تعظيم مقصده وهو الفلاح في الظاهر والباطن، وما هو غاية مقصده من القرب من الله باعتبار عظمة ظاهره وباطنه، ومن الوصول إلى توحيده الحقيقي. أفاده
المهايمي. [ ص: 2047 ] تنبيهات:
الأول: في آثار رويت في هذه الآية:
روى
nindex.php?page=showalam&ids=11868أبو الشيخ ابن حيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: كان
رفاعة بن زيد بن التابوت، وسويد بن الحارث، قد أظهرا الإسلام ونافقا، وكان رجل من المسلمين يوادهما. فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الآية.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله:
وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا قال: كان رجل من النصارى من
المدينة، إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن
محمدا رسول الله. قال: حرق الكاذب. فدخلت خادمه ليلة من الليالي بنار، وهو نائم وأهله نيام، فسقطت شرارة فأحرقت البيت، فاحترق هو وأهله.
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق بن يسار في "السيرة":
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة عام الفتح ومعه nindex.php?page=showalam&ids=115بلال فأمره أن يؤذن. nindex.php?page=showalam&ids=12026وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد nindex.php?page=showalam&ids=14062والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة. فقال عتاب بن أسيد: لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه. فقال nindex.php?page=showalam&ids=14062الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته. فقال nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان: لا أقول شيئا. لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى. فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد علمت الذي قلتم. ثم ذكر ذلك لهم. فقال nindex.php?page=showalam&ids=14062الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله. والله! ما اطلع على هذا أحد كان معنا، فنقول أخبرك.
وروى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
عبد الله بن محيريز - وكان يتيما في حجر
nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة - قال:
[ ص: 2048 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=666889قلت لأبي محذورة: يا عم! إني خارج إلى الشام. أخشى أن أسأل عن تأذينك. فأخبرني; أن أبا محذورة قال له: نعم! خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق. فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون. فصرخنا نحكيه ونستهزئ به. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا، إلى أن وقفنا بين يديه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع» ؟ فأشار القوم كلهم إلي. وصدقوا. فأرسل كلهم وحبسني فقال: «قم فأذن» . فقمت، ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فألقى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو نفسه فقال: قل: «الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله» . ثم قال لي: «ارجع فامدد من صوتك» . ثم قال: «أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله» ، ثم عادني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة، ثم أمرها على وجهه مرتين. ثم مرتين على يديه. ثم على كبده. ثم بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرة nindex.php?page=showalam&ids=95أبي محذورة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله فيك. فقلت: يا رسول الله! مرني بالتأذين بمكة. فقال: قد أمرتك به. وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقدمت على عتاب بن أسيد، عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: دلت الآية على وجوب
موالاة المؤمنين ومعاداة الكفار. والمراد به في أمر الدين، كما تقدم.
[ ص: 2049 ] الثالث: دلت على أن
الهزء بالدين كفر، وأن هزله كجده.
قال في "الإكليل": الآية أصل في تكفير المستهزئ بشيء من الشريعة.
الرابع: دلت على أن للصلاة نداء وهو الأذان، فهي أصل فيه.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: قيل: فيه دليل على
ثبوت الأذان بنص الكتاب، لا بالمنام وحده. ولما نهى تعالى عن تولي المستهزئين، أمر أن يخاطبوا بأن الدين منزه عما يصح صدور ما صدر عنهم من الاستهزاء، ويظهر لهم ما ارتكبوا ويلقموا الحجر، بقوله تعالى: