صفحة جزء
[ ص: 2092 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[70] لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون

لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل أي: على الإيمان بالله ورسله: وأرسلنا إليهم رسلا ليقفوهم على ما يأتون وما يذرون في دينهم: كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم أي: بما يخالف هواهم ويضاد شهواتهم من الأحكام الحقة. مع أن وضع الرسالة، الدعوة إلى مخالفة الهوى: فريقا منهم: كذبوا مع ظهور دلائل صدقهم: وفريقا يقتلون بعد التكذيب سدا لدعوتهم إلى ما يخالف أهويتهم.

لطيفتان:

الأولى: قال الزمخشري: جواب الشرط محذوف يدل عليه قوله: فريقا كذبوا وفريقا يقتلون كأنه قيل: كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه.

قال الناصر في "الانتصاف": ومما يدل على حذف الجواب أنه جاء ظاهرا في الآية الأخرى، وهي توأمة هذه، قوله تعالى: أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون فأوقع قوله: استكبرتم جوابا. ثم فسر استكبارهم وصنيعهم بالأنبياء بقتل البعض وتكذيب البعض. فلو قدر الزمخشري ههنا الجواب المحذوف مثل المنطوق به في أخت الآية فقال: وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا، لكان أولى، لدلالة مثله عليه.

[ ص: 2093 ] الثانية: قال الزمخشري: فأن قلت: لم جيء بأحد الفعلين ماضيا وبالآخر مضارعا؟ قلت: جيء: يقتلون على حكاية الحال الماضية استفظاعا للقتل واستحضارا لتلك الحال الشنيعة، للتعجيب منها.

قال في "الانتصاف": أو يكون حالا على حقيقته؛ لأنهم داروا حول قتل محمد صلى الله عليه وسلم. وقد قيل هذا الوجه في أخت هذه الآية في (البقرة); وقد مضى وجه اقتضاء صيغة الفعل المضارع لاستحضاره دون الماضي، وتمثيله بقوله تعالى: ألم تر أن الله أنـزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير فعدل عن (فأصبحت) إلى (فتصبح) تصويرا للحال واستحضارا لها في ذهن السامع، ومنه:


بأني قد لقيت الغول تهوي بسهب كالصحيفة صحصحان

    فأضربها بلا دهش فخرت
صريعا لليدين وللجران



وأمثاله كثيرة. انتهى.

[ ص: 2094 ] قال الخفاجي: اقتصر العلامة هنا على حكاية حال أسلافهم، لقرينة ضمائر الغيبة، وترك تلك الآية - يعني آية البقرة - على الاحتمالين لقرينة ضمائر المخاطبين. ليكون توبيخا وتعبيرا للحاضرين بفعل آبائهم. ولذا عقبت هذه الآية بقصة عيسى عليه السلام. فتأمل.

التالي السابق


الخدمات العلمية