القول في تأويل قوله تعالى:
[34]
ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين ولقد كذبت رسل من قبلك افتنان في تسليته عليه الصلاة والسلام، فإن عموم البلية ربما يهون أمرها بعض تهوين. وإرشاده صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء بمن قبله من الرسل الكرام، في الصبر على ما أصابهم من أممهم، من فنون الأذية. وعدة ضمينة له صلى الله عليه وسلم بمثل ما منحوه من النصر. وتصدير الكلام بالقسم، لتأكيد التسلية. وتنوين (رسل) للتفخيم والتكثير . أفاده
أبو السعود.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: في قوله تعالى:
ولقد كذبت دليل على أن قوله:
فإنهم لا يكذبونك ليس بنفي لتكذيبه، وإنما هو من قولك لغلامك: ما أهانوك، ولكنهم أهانوني! انتهى.
وناقشه
الناصر في "الانتصاف" بأنه لا دلالة فيه؛ لأنه مؤتلف مع نفي التكذيب أيضا، وموقعه حينئذ من الفضيلة أبين. أي: هؤلاء لم يكذبوك، فحقك أن تصبر عليهم، ولا يحزنك أمرهم. وإذا كان من قبلك من الأنبياء قد كذبهم قومهم، فصبروا عليهم، وأنت إذ لم يكذبوك أجدر بالصبر. فقد ائتلف، كما ترى، بالتفسيرين جميعا. ولكنه من غير الوجه الذي استدل به، فيه تقريب لما اختاره، وذلك أن مثل هذه التسلية قد وردت مصرحا بها
[ ص: 2293 ] في نحو قوله تعالى:
وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فسلاه عن تكذيبهم له، بتكذيب غيرهم من الأمم لأنبيائهم. وما هو إلا تفسير حسن مطابق للواقع، مؤيد بالظاهر. والله أعلم.
فصبروا على ما كذبوا وأوذوا أي: على تكذيبهم وإيذائهم، فتأس بهم:
حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله أي: لمواعيده، من قوله:
ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وقوله:
كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ولقد جاءك من نبإ المرسلين أي: من خبرهم في مصابرة الكافرين، وما منحوه من النصر، فلا بد أن نزيل حزنك بإهلاكهم، وليس إمهالهم لإهمالهم، بل لجريان سنته تعالى بتحقق صبر الرسل وشكرهم.