القول في تأويل قوله تعالى:
[46]
قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون
يقول تعالى:
قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم بأن أصمكم وأعماكم
وختم على قلوبكم بأن غطى عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم:
من إله غير الله يأتيكم به أي: بذلك المأخوذ. وإنما خصت هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر؛ لأنها أشرف أعضاء الإنسان، فإذا تعطلت اختل نظام الإنسان، وفسد أمره، وبطلت مصالحه في الدين والدنيا.
انظر كيف نصرف الآيات أي: نوردها بطرق مختلفة، كتصريف الرياح. و (انظر) يفيد التعجيب من عدم تأثرهم بما عاينوا من الآيات الباهرة.
[ ص: 2316 ] ثم هم يصدفون أي: بعد رؤيتهم تصريف الآيات يعرضون عنها، فلا يتأملون فيها، عنادا وحسدا وكبرا.
تنبيهات:
الأول: المراد بالآيات: إما مطلق الدلائل القرآنية مطلقا، أو ما ذكر من أول السورة إلى هنا، أو ما ذكر قبل هذا من المقدمات العقلية الدالة على وجود الصانع وتوحيده المشار إليها بقوله: ( إن أتاكم عذاب الله ) الآية.. ومن الترغيب بقوله: فيكشف ما تدعون إليه ، والترهيب بقوله:
إن أخذ الله سمعكم الآية. ومن التنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين. ذهب إلى كل بعض من المفسرين، وعموم اللفظ يصدق على ذلك كله بلا تدافع.
الثاني: قال بعض المفسرين من
الزيدية: دلت الآية على جواز
الاحتجاج في أمر الدين. انتهى. وهو ظاهر.
الثالث: المقصود من هذه الآية: بيان أن القادر على تحصيل هذه القوى الثلاث، وصونها عن الآفات، ليس إلا الله تعالى. وإذا كان الأمر كذلك، كان المنعم بهذه النعم العالية، والخيرات الرفيعة، هو الله تعالى. فوجب أن يقال: المستحق للتعظيم والثناء والعبودية ليس إلا الله تعالى. وذلك يدل على أن عبادة الأصنام طريقة باطلة فاسدة - قرره
الرازي -.
ثم أشار تعالى إلى تبكيت لهم آخر بإلجائهم إلى الاعتراف باختصاص العذاب بهم بقوله سبحانه: