صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[95 ] ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين

ولن يتمنوه أبدا من المعجزات لأنه إخبار بالغيب . وكان كما أخبر به . كقوله ولن تفعلوا "بما قدمت أيديهم" بما أسلفوا من أنواع العصيان . واليد مجاز عن النفس . عبر بها عنها ، لأنها من بين جوارح الإنسان ، مناط عامة صنائعه . ولذا كانت الجنايات بها أكثر من غيرها . ولم يجعل المجاز في الإسناد، فيكون المعنى بما قدموا بأيديهم ، ليشمل ما قدموا بسائر الأعضاء والله عليم بالظالمين أي بهم . تذييل للتهديد . والتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم ، ونفيه عمن سواهم . ونظير هذه الآية في سورة الجمعة قوله تعالى : قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين

و قد تلطف الغزالي في توجيه الإتيان بـ "لن" هنا ، و "لا" في سورة الجمعة بأن الدعوى هنا أعظم من الثانية ، إذ السعادة القصوى هي الحصول في دار الثواب ، وأما مرتبة الولاية فهي، وإن كانت شريفة إلا أنها إنما تراد ليتوسل بها إلى الجنة . فلما كانت الدعوى الأولى أعظم ، لا جرم بين تعالى فساد قولهم بلفظ "لن" لأنها أقوى الألفاظ النافية. ولما كانت [ ص: 196 ] الدعوى الثانية ليست في غاية العظمة اكتفى في إبطالها بلفظ "لا" لأنه ليس في نهاية القوة ، في إفادة معنى النفي . والله أعلم .

ولما أخبر تعالى عنهم أنهم لا يتمنون الموت ، أتبعه بأنهم في غاية الحرص على الحياة بقوله :

التالي السابق


الخدمات العلمية