القول في تأويل قوله تعالى:
[150]
قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون
قوله تعالى:
قل هلم شهداءكم أي: أحضروهم:
الذين يشهدون أن الله حرم هذا يعني ما تقولون من الأنعام والحرث. والمراد ب (شهدائهم) قدوتهم الذين ينصرون قولهم. وإنما أمروا باستحضارهم ليلزمهم الحجة، ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم، وأنه لا متمسك لهم،
[ ص: 2564 ] كمن يقلدهم فيحق الحق ويبطل الباطل.
فإن شهدوا أي: بعد حضورهم بأن الله حرم هذا:
فلا تشهد معهم أي: فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم، لما علمت من افترائهم على الله ومشيهم مع أهويتهم.
وفي "العناية": فلا تشهد استعارة تبعية. وقيل: مجاز مرسل، من ذكر اللازم وإرادة الملزوم؛ لأن الشهادة من لوازم التسليم. وقيل: كناية. وقيل: مشاكلة.
ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون من وضع المظهر موضع المضمر، للدلالة على أن من
كذب بآيات الله وعدل به غيره، أي: سوى به الأصنام، فهو متبع للهوى لا غير؛ لأنه لو اتبع الدليل لم يكن إلا مصدقا بالآيات، موحدا لله تعالى.
ولما بين تعالى فساد ما ادعوا من أن إشراكهم وإشراك آبائهم وتحريم ما حرموه، بأمر الله ومشيئته، بظهور عجزهم عن إبراز ما يتمسك به في ذلك، وإحضار شهداء يشهدون بذلك، بعد ما كلفوه مرارا - أمر الرسول بأن يبين لهم من المحرمات ما يقتضي الحال بيانه.