فأجاب : الحمد لله وحده . " الزهد المشروع " هو ترك [ كل ] شيء لا ينفع في الدار الآخرة وثقة القلب بما عند الله . كما في الحديث الذي في الترمذي { nindex.php?page=hadith&LINKID=601289ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق بما في يدك وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك } لأن الله تعالى يقول { لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } .

فهذا صفة " القلب " . [ ص: 642 ] وأما في " الظاهر " فترك الفضول التي لا يستعان بها على طاعة الله من مطعم وملبس ومال وغير ذلك ; كما قال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : إنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وصبر أيام قلائل .

وجماع ذلك خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=51949خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة } . وكان عادته في المطعم أنه لا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا ويلبس من اللباس ما تيسر من قطن وصوف وغير ذلك وكان القطن أحب إليه { nindex.php?page=hadith&LINKID=12817وكان إذا بلغه أن بعض أصحابه يريد أن يعتدي فيزيد في الزهد أو العبادة على المشروع ويقول : أينا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب لذلك ويقول : والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدود الله تعالى } { nindex.php?page=hadith&LINKID=601290وبلغه أن بعض أصحابه قال : أما أنا فأصوم فلا أفطر وقال الآخر أما أنا فأقوم فلا أنام وقال آخر أما أنا فلا أتزوج النساء وقال آخر أما أنا فلا آكل اللحم فقال صلى الله عليه وسلم لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني } . فأما الإعراض عن الأهل والأولاد فليس مما يحبه الله ورسوله ولا هو من دين الأنبياء ; بل قد قال تعالى : { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } والإنفاق على العيال والكسب لهم يكون واجبا تارة ومستحبا أخرى فكيف يكون ترك الواجب أو المستحب من الدين وكذلك السياحة في البلاد لغير مقصود مشروع كما يعانيه بعض النساك أمر منهي عنه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين .

وأما السياحة المذكورة في القرآن من قوله : { التائبون العابدون الحامدون السائحون } ومن قوله : { مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا } فليس المراد بها هذه السياحة المبتدعة ; فإن الله قد وصف النساء اللاتي يتزوجهن رسوله بذلك والمرأة المزوجة لا يشرع لها أن تسافر في البراري سائحة ; بل المراد بالسياحة شيئان . ( أحدهما الصيام . كما روى عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14090الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل [ ص: 644 ] ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب } . متفق عليه .

لكن إذا ترك الإنسان الحرام أو الشبهة بترك واجب أو مستحب وكان الإثم أو النقص الذي عليه في الترك أعظم من الإثم الذي عليه في الفعل لم يشرع ذلك كما ذكر أبو طالب المكي وأبو حامد الغزالي عن nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عمن ترك مالا شبهة فيه وعليه دين . فسأله ولده أترك هذا المال الذي فيه شبهة فلا أقضيه ؟ فقال : له أتدع