والمسئول تعيين " أصحاب الصفة " كم هم من رجل ؟ ومن كانوا من [ ص: 73 ] الصحابة رضي الله عنهم ويزعمون أن الله سبحانه وتعالى لما عرج بنبيه صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه مائة ألف سر وأمره ألا يظهرها على أحد من البشر . فلما نزل إلى الأرض وجد أصحاب الصفة يتحدثون بها فقال : يا رب ; إنني لم أظهر على هذا السر أحدا فأوحى الله إليه أنهم كانوا شهودا بيني وبينك فهل لهذه الأشياء صحة أم لا ؟
فأجاب .
الحمد لله رب العالمين جميع هذه الأحاديث أكاذيب مختلقة ليتبوأ مفتريها مقعده من النار . لا خلاف بين جميع علماء المسلمين - أهل المعرفة وغيرهم - أنها مكذوبة مخلوقة ليس لشيء منها أصل ; بل من اعتقد صحة مجموع هذه الأحاديث فإنه كافر ; يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل . وليس لشيء من هذه الأحاديث أصل ألبتة . ولا توجد في كتاب ; ولا رواها قط أحد ممن يعرف الله ورسوله .
فهذا كفر صريح يقوله أعداء الله النصارى ومن غلا من الرافضة ; وجهال المتصوفة ومن اعتقده فهو كافر .
نعم للمؤمنين العارفين بالله المحبين له من مقامات القرب ; ومنازل اليقين ما لا تكاد تحيط به العبارة ولا يعرفه حق المعرفة إلا من أدركه وناله ; والرب رب . والعبد عبد . ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ; ولا في مخلوقاته شيء من ذاته : وليس أحد من أهل المعرفة بالله يعتقد حلول الرب تعالى به ; أو بغيره من المخلوقات ولا اتحاده به .
وإن سمع شيء من ذلك منقول عن بعض أكابر الشيوخ . فكثير منه مكذوب اختلقه الأفاكون من الاتحادية المباحية ; الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية .
والذي يصح منه عن الشيوخ له معان صحيحة ; ومنه ما صدر عن بعضهم في حال استيلاء حال عليه ; ألحقه تلك الساعة بالسكران الذي لا يميز ما يخرج منه من القول ثم إذا ثاب عليه عقله وتمييزه ينكر ذلك القول ; ويكفر من يقوله ; وما يخرج من القول في حال غيبة [ ص: 75 ] عقل الإنسان لا يتخذه هو ولا غيره عقيدة . ولا حكم له ; بل القلم مرفوع عن النائم والمجنون والمغمى عليه والسكران الذي سكر بغير سبب محرم ; مثل من يسقى الخمر وهو لا يعرفها أو أوجرها حتى سكر أو أطعم البنج وهو لا يعرفه ; فكذلك .
وقد يشاهد كثير من المؤمنين من جلال الله وعظمته وجماله أمورا عظيمة تصادف قلوبا رقيقة فتحدث غشيا وإغماء . ومنها ما يوجب الموت . ومنها ما يخل العقل .
وإن كان الكاملون منهم لا يعتريهم هذا كما لا يعتري الناقصين عنهم ; لكن يعتريهم عند قوة الوارد على قلوبهم وضعف المحل المورود عليه فمن اغتر بما يقولونه أو يفعلونه في تلك الحال كان ضالا مضلا .
وإنما الغرض أن يتفطن المؤمن للفرق بين هؤلاء الزنادقة الذين ضاهوا النصارى وسلكوا سبيل أهل " الحلول والاتحاد " وكذبوا على الله ورسوله . وكذبوا الله ورسوله وبين العالمين بالله والمحبين له أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فإنه قد يشتبه هؤلاء بهؤلاء كما اشتبه على كثير من الضالين حال مسيلمة الكذاب المتنبئ بمحمد بن عبد الله رسول الله حقا حتى صدقوا الكاذب وكذبوا الصادق . والله قد جعل على الحق آيات وعلامات وبراهين ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .
فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر عبدا مطلقا وهذا كلام عربي لا لغز فيه ففهم الصديق لقوة معرفته بمقاصد النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو العبد المخير ومعرفة أن المطلق هذا المعين خارج عن دلالة اللفظ لكن يوافقه ولا يخالفه ; ولهذا قال أبو سعيد : كان أبو بكر أعلمنا به . ومن هذا أن الصديق - رضي الله عنه - لما عزم على قتال [ ص: 79 ] مانعي الزكاة قال له عمر : كيف تقاتل الناس ؟
وكذلك قوله في صلح الحديبية لعمر مثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم قال له وأمثال ذلك كثير . فأما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بكلام لا يفهمه عمر وأمثاله بل يكون عندهم ككلام الزنجي .
فمن اعتقد هذا فهو جاهل ضال عليه من الله ما يستحقه .
وأما كون أهل الصفة كانوا قبل المبعث مهتدين . فعلى من قال [ ص: 80 ] هذا : لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ; بل لا خلاف بين المسلمين أنهم كانوا جاهلين ; بل لا خلاف بين المسلمين أنهم كانوا كافرين جاهلين بالله وبدينه ; وإنما هداهم الله بكتابه ; وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن بين أهل الصفة وسائر الصحابة فرق في الكفر والضلالة قبل إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد كان بعد الإسلام كثير ممن لم يكن من " أهل الصفة " كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أعلم بالله ; وأعظم يقينا من عامة أهل الصفة .
[ ص: 81 ] وأما " عددهم " فقد جمع nindex.php?page=showalam&ids=12067أبو عبد الرحمن السلمي تاريخهم : وهم نحو من ستمائة أو سبعمائة أو نحو ذلك . ولم يكونوا مجتمعين في وقت واحد بل كان في شمال المسجد صفة يأوي إليها فقراء المهاجرين فمن تأهل منهم أو سافر أو خرج غازيا خرج منها وقد كان يكون في الوقت الواحد فيها السبعون أو أقل أو أكثر ومنهم : سعد بن أبي وقاص أحد العشرة . nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة وخبيب وسلمان وغيرهم .
وكيف يكون ذلك والمعراج كان بمكة قبل الهجرة وأهل الصفة إنما كانوا بالمدينة بعد الهجرة وبناء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة : الطيبة وهذا كله واضح عند من عرف الله ورسوله وكان مسلما حنيفا أو كان عالما بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه معه .
وإنما يقع في هذه الجهالات أقوام نقص إيمانهم وقل علمهم واستكبرت أنفسهم حتى صاروا بمنزلة فرعون وصاروا أسوأ حالا من النصارى .
والله يتوب علينا وعليهم وعلى سائر إخواننا المسلمين ويهدينا وإياهم صراطه المستقيم صراط الذين أنعم عليهم . غير المغضوب عليهم . ولا الضالين . والله تعالى أعلم .